• لبنان
  • الخميس, آذار 20, 2025
  • اخر تحديث الساعة : 8:09:05 م
inner-page-banner
الأخبار

التهديد الإيراني يعزز فرص تفاهم سوري - إسرائيلي

سامر زريق ـ نداء الوطن 

من المثير أن يتحوّل العداء بين إسرائيل وإيران إلى شراكة جيوسياسية غير مباشرة في تهديد سوريا "ما بعد الأسد"، بما يزيد من تعرية نفاق شعارات الملالي. ومع ذلك ثمة فارق جوهري بين أهداف كل منهما، حيث تسعى الأولى من خلال توسيع النفوذ العسكري واستخدام ورقة الأقليات، إلى زيادة الضغط على تركيا، عرّابة الحكم الجديد، من أجل جلبها إلى طاولة المفاوضات، للحصول على ضمانات عِوَض تلك التي صاغتها مع حافظ الأسد وسقطت بهروب ابنه، في حين تسعى الثانية إلى تأجيج النزعات الانفصالية والفتن الطائفية من أجل تقسيم سوريا، أملاً في الفوز بـ "جزء من الكعكة" يتيح لها إعادة إنتاج نفوذها المتهاوي.

ليس سهلاً على طهران هضْم فقدان حجر الزاوية في مشروعها التوسّعي، والذي أنفقت عليه مليارات الدولارات. لذلك، لن تعدم وسيلة لصنع الفوضى، ولو كان الثمن بحوراً من الدماء، من بينها محاولة خلق دويلة علوية. وهنا بالضبط تنفضّ الشراكة مع إسرائيل. ذلك أن فصل الساحل عن دمشق، يمثّل تهديداً لأمن الدولة العبرية لا يَسَعُها التهاون معه، وما الغارات التي تواظب على شنّها من ناحيتيْ الحدود سوى دليل على أنها لن تسمح لـ "حزب الله" بإعادة إنتاج نفوذه وقوّته العسكرية عبر المال والسلاح العابريْن للحدود.

وهذا ما يشكل أحد أبرز أهداف الضغط الإسرائيلي على دمشق، المدعوم أميركياً، بغية الحصول على ضمانات من تركيا، حول قيام النظام الجديد في سوريا بخنق كل مسارات التهريب، مهما كان شكلها ونوعها. بالإضافة إلى الاتفاق على ترتيبات الرقابة على الحدود السورية الجنوبية، تشمل الجانب اللبناني أيضاً، لإزالة أي تهديد محتمل بإمكانية حصول "7 أكتوبر" جديد، الذي تحوّل إلى هاجس إسرائيلي حاضر بقوة في ترتيبات خرائط المنطقة.

حصار دمشق أو احتلالها، أو تلظّيها بنار الفوضى، لا يخدم أمن الدولة العبرية، على عكس ما تسعى الدعاية الإيرانية إلى ترويجه، والذي يشمل الحديث عن كيان درزي غير موجود سوى في مخيال منظّري "الممانعة" تحت عنوان تشجيع الكيانات المذهبية لتسويغ يهودية الدولة. فهذا الكيان المفترض لا يمكنه ضمان عدم نشوء مجموعات ترفع "راية المقاومة" مستقبلاً، ولا سيّما مع وجود سنّة في الجولان وجواره، أوّلهم الرئيس السوري نفسه الذي تكنّى سابقاً بـ "الجولاني" نسبة لهذه المنطقة.

في الواقع، توظّف إسرائيل ورقة الأقليات لزيادة الضغوط على دمشق من قبل سقوط نظام الأسد. فحينما تسلّم جدعون ساعر مهامه كوزير للخارجية، كان من أوّل التصريحات التي أطلقها في تشرين الثاني الماضي، هي "ضرورة العمل على توطيد العلاقات مع الأقليات في المنطقة، خصوصاً الكرد والدروز". وهي ستواظب توظيف هذه الورقة مستقبلاً كسلاح جيوسياسي ثمين ليس من مصلحتها استخدامه بقدر التلويح به. ولو أنها تهتم جدياً بحقوق الدروز لأتاحت لهم المجال لتسلّم مراكز رفيعة على المستويَين السياسي أو العسكري. وهذا ما يدركه الدروز قبل غيرهم، لذلك يُحاولون استغلال الفرصة التاريخية المتاحة حالياً للتخلّص من التهميش الذي عانوا منه طويلاً، والحصول على مكتسبات سياسية مشروعة ضمن النظام الجديد.

في المقابل، وعلى الرغم من مأسوية الأحداث التي حصلت في الساحل السوري، والتي تحمل طابع محاولة انقلاب، إلّا أنها أسهمت في تحصين حكم أحمد الشرع وتثبيت دعائمه، حيث منحته مشروعية شعبية كان يفتقر إليها، خصوصاً في المدن الكبرى، تضاف إلى المشروعية العربية. كما أنها سرّعت في إبرام الاتفاق مع الكرد، وتقريب مثيله مع الدروز. ناهيكم عن إظهارها مدى خطورة التهديد الإيراني على وحدة سوريا، ولذلك كانت السعودية من أوائل الداعمين لدمشق بموقف سريع وواضح الأبعاد صدر عن خارجيتها عقب سويعات من اندلاع المحاولة الانقلابية.

ما حصل يدفع دمشق أكثر للتفاهم مع إسرائيل، سواء عبر أميركا وتركيا، أو حتى مباشرة، حيث يصعب على الدولة التي يُعاد تأسيسها مواجهة التهديدين الإسرائيلي والإيراني معاً. في الأدبيات الإسلامية التي تشكّل المرتكز الإيديولوجي للحكم الجديد، حينما يتساوى تهديدان ماحقان، يمكن اختيار التفاهم مع واحد منهما للتفرّغ للآخر، ولا سيّما حينما يجد أهل الحلّ والعقد أنه أكثر خطورة وتأثيراً.

وهذه الرؤية تحكم نظرة الكثير من المجموعات الإسلامية إزاء المفاضلة بين إسرائيل وإيران، حيث يروْن أن الثانية تمثّل خطراً على العقيدة في ظلّ التشيّع السياسي "الولائي" الذي فرضته بـ "الحديد والنار" على المناطق التي وصل إليها نفوذها، يضاف إلى التهديد الجغرافي من ناحيتي الحدود مع العراق ولبنان. هذا التوجه يمكن استشرافه من خلال تصريحات وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، تجاه إيران، السابقة لمحاولة الانقلاب، والتي أدّت إلى حصول استدعاءات متبادلة للمبعوثين الدبلوماسيين، فضلاً عن تشدّد الحكم السوري في ضبط شحنات السلاح والأموال الموجّهة إلى "حزب الله".

المؤسف أن المدنيين والأبرياء هم أكثر من يدفع الأثمان في لحظة إعادة رسم الخرائط الجيوسياسية، كما هو الحال عند العلويين الذي دفعوا ثمن تسلّط زبانية الملالي إبّان حكم بشار الأسد، ويدفعون اليوم ثمن محاولة عزل الساحل وفرض أمر واقع يعيد تجديد خلايا نفوذهم. وهذا ما يضع دمشق أمام تحدّي ضرورة خلق قنوات تواصل مستدامة ومتينة مع الطائفة العلوية، تسهل عملية اندماجها مع المتغيّرات، فيما تباكي سَدَنَة الممانعة على حقوق الإنسان لا يمكنه أن يحرف الأنظار عن الدماء من مختلف المذاهب والعرقيات التي تقطر من عمامة مرشد الفتنة. 

بوابة صيدا

الكاتب

بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..

مدونات ذات صلة