• لبنان
  • السبت, كانون الثاني 18, 2025
  • اخر تحديث الساعة : 7:59:04 ص
inner-page-banner
مقالات

وليد شرارة ـ الأخبار

الحرب لم تنتهِ، خاصةً بالنسبة إلينا. ربما انتهت الجولة التي بدأت بعد عملية «طوفان الأقصى» البطولية، لكن الحرب بيننا وبين إسرائيل لم ولن تنتهي. لقادتنا العظام ولأهلنا الكرام، في لبنان وفلسطين، واليمن وإيران والعراق وسوريا، ولجميع الشهداء من العرب والمسلمين، ومن أحرار العالم، الذين ارتقوا على طريق القدس، حق علينا بأن نثأر لهم من الصهاينة. حقهم علينا، ونحن ما زلنا ننتشل إلى اليوم جثامينَ وأشلاء طاهرة، هو ألّا يهدأ لنا بال، وألّا تلهينا أولوية، عن الأولوية الأولى، وهي العمل الدؤوب، بتصميم وعناد لا يتزعزعان، 24 ساعة في اليوم و7 أيام في الأسبوع، لسنوات أو حتى لعقود قادمة، للقضاء على كيان الأنجاس وإفناء من فيه، طال الزمن أم قصر.

مشروع المخلصوين من أبناء هذه الأمّة يتلخّص في المرحلة التاريخية الراهنة بهدف واحد، سبق للإمام الخميني العظيم أن حدّده منذ عقود: اقتلاع الغدة السرطانية من الجذور. ومن بعد ذلك، فليفعل من يشاء ما يشاء. سيسارع المتفزلكون، الإنسانويون المغفلون، الذين أعمت «أنوار» الغرب أبصارهم، لإدانة هذا الكلام، أو للسخرية منه، وتوصيفه على أنه ارتداد إلى فهم بدائي للسياسة والحرب، باعتبارهما فعلاً انتقامياً. لهؤلاء نقول إن الأمر لا يقتصر على الانتقام، رغم كونه حقاً لنا، شاء من شاء وأبى من أبى. تسارع التاريخ خلال الأشهر الـ15 الماضية وتكثّفه، أعاد تثبيت مجموعة من الحقائق بلا التباس، وفي مقدّمتها الطبيعة الوجودية لصراعنا مع الجماعة الوظيفية التي زرعها الغرب في فلسطين، والتي «تحوّرت» من قاعدة عسكرية للإمبريالية إلى غدة سرطانية تنشر المرض الخبيث في الجسد العربي-الإسلامي برمّته، وتهدّد بقاءه. لقد أضحى زمننا نحن، أبناء هذه البقعة من العالم، هو زمن الإبادة، ومقاومتها. وبعد الإبادة، لن تكون السياسة كما قبلها.

الزمن العالمي ليس واحداً، على عكس ما يعتقده المغفلون المتغربون، خاصةً ضحايا «متلازمة دبي» بينهم. الاكتشافات الكبرى التي مثّلت بالنسبة إلى الغرب انبلاجاً لفجر «العالم الحديث»، جسّدت في الآن نفسه نهاية لعوالم «المكتشفين» من السكّان الأصليين في الأميركيتين وفي أستراليا ونيوزلندا، وفناء لحضارتهم، وكذلك بالنسبة إلى ملايين الأفارقة الذين سيقوا كعبيد نحو المستعمرات المكتشفة. الأمر نفسه ينطبق على عصر العولمة السعيدة ووعودها الخرافية بالنسبة إلى مجتمعات الغرب المترفة، والذي ترجم انقضاضاً على بلدان الفضاء العربي-الإسلامي، وحروباً تعيث في بعض بلدانه خراباً ودماراً، فتأتي على عمرانها واجتماعها.

زمن الإبادة وسلام المقابر

لا بدّ من التوقّف قليلاً عند مفهوم «السلام من خلال القوة» الذي استخدمه دونالد ترامب تعليقاً على اتفاق وقف إطلاق النار في غزة. يتّضح المعنى بجلاء عندما أضاف: «سنغتنم الفرصة بعد وقف إطلاق النار هذا لمواصلة توسيع اتفاقيات أبراهام التاريخية». بكلام آخر، يرى ترامب أن حرب الإبادة التي شنّتها إسرائيل على غزة، وعدوانها على لبنان وسوريا، قد وفّرا الشروط المناسبة لاستئناف مسار «التطبيع» مع الجزء «المفيد»، أي النفطي، والقابل للتطويع بنظره، من الشرق الأوسط، ويقصد تحديداً الآن السعودية.

قامت مقاربة القوى الاستعمارية التقليدية على تقسيم البلدان الخاضعة لسيطرتها إلى مناطق «مفيدة»، أو «البلد المفيد»، يجري دمجها في منظومة علاقات التبعية الاقتصادية والسياسية، مع توفير قدر من الاستقرار الضروري لسير الأعمال، ومناطق «غير مفيدة»، لا تحتوي على الموارد الحيوية، وتشكّل مصدراً للتهديد أو الإزعاج الأمني والسياسي، فيتمّ من الحين إلى الآخر تجريد حملات عسكرية لتأديبها وإخضاعها تراوح شدتها بين «جزّ العشب» على الطريقة الإسرائيلية وحرب الإبادة التي كانت غزة أخيراً مختبراً لها. تتطابق هذه الرؤيا الأميركية للإقليم بجزئيه المفيد وغير المفيد مع تلك الإسرائيلية التي عبّر عنها نتنياهو في خطابه، المدعّم بالخرائط، أمام الاجتماع الأخير للجمعية العامة للأمم المتحدة. مهمّة الوكيل السرطاني الصهيوني، في منظومة السيطرة الأميركية الجديدة، هي تولي عمليات «تأديب» وتخريب المشرق الخطر و/أو غير المفيد.

التحوّر السرطاني للجماعة الوظيفية

لن تنتهي الحرب بالنسبة إلى المحور الأميركي-الإسرائيلي أيضاً. ربما ستتوقّف العمليات العسكرية الواسعة والمستمرّة بوتيرة مرتفعة، لكن الحرب ستخاض بجميع الوسائل الأخرى، السياسية والاقتصادية والإعلامية-الأيديولوجية والأمنية والعمليات العسكرية الخاصة، سعياً إلى القضاء على قوى المقاومة. وإذا كان الدور الوظيفي للكيان الصهيوني يمثّل في أحد أبعاده امتداداً تاريخياً للدور الوظيفي للجماعات اليهودية في شرق أوروبا وبعض غربها لمصلحة الطبقات المسيطرة في طور الرأسمالية الأول، كما شرح الدكتور عبد الوهاب المسيري في كتابه المهم «الجماعات الوظيفية اليهودية: نموذج تفسيري جديد»، الصادر عن «دار الشروق» في 2002، فإنّ ما ينبغي لحظه هو التحوذر السرطاني الذي شهده هذا الكيان في سياق أزمة الهيمنة الإمبريالية الأميركية وتراجعها، وما تثيره من توحّش لمحاولة وقف هذا التراجع. بقاء الأمّة رهنٌ بسياسة تبلور الأدوات والعلاجات اللازمة لمكافحة المرض الخبيث واجتثاثه من الجذور.

بوابة صيدا

الكاتب

بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..

مدونات ذات صلة