عبد الباسط ترجمان ـ بوابة صيدا
تبرر دولة الاحتلال الإسرائيلي تدخلها العسكري أو بقاء جنودها في لبنان بعد انتهاء الحرب لأمد غير محدود "كما ينقل الإعلام العبري"، بناءً على عدة أسباب أو مبررات سياسية وأمنية، من أبرزها:
1. أمن إسرائيل القومي: تدعي إسرائيل أن وجودها في جنوب لبنان ضروري لمنع الهجمات الصاروخية أو العمليات العسكرية من قبل حزب الله أو الفصائل الفلسطينية المتواجدة في لبنان. وقد أظهرت إسرائيل قوتها العسكرية، وخاصة سلاح الجو، كقوة لا تقهر في حربها الأخيرة على لبنان، وهي بذلك تبرر وجودها في مناطق لبنانية كوسيلة ردع لأي محاولات لاستهداف أراضيها أو سكانها، فهي بذلك "حسب تبريراتها" تحمي أمنها القومي..
2. مواجهة النفوذ الإيراني: تعتبر إسرائيل أن حزب الله، يمثل امتدادًا لنفوذ إيران في المنطقة، مما يشكل تهديدًا استراتيجيًا لها، وهو رغم إضعافه خلال الحرب الأخيرة التي شُنت عليه، قادر على ترميم نفسه، وإعادة هيكلة تركيبته العسكرية والأمنية..
3. الخلفية الدينية: تُعتبر حكومة نتنياهو الحالية هي حكومة اليمين المتطرف، إذا لا يُخفي هؤلاء سعيهم لإقامة دولة إسرائيل الكبرى، وقاموا بنشر صور لهذه الدولة المزعومة عبر منصات التواصل الاجتماعي، و يؤكد ذلك ما قاله وزير مالية دولة الاحتلال "بتسلئيل سموتريتش" في عام 2016 للقناة الثانية الإسرائيلية، أن دولة إسرائيل يجب أن تضم العاصمة السورية دمشق، والأردن وأجزاء من مصر ولبنان والسعودية والعراق. وسألته المذيعة "حدود إسرائيل تمتد الآن من البحر وتنتهي في نهر الأردن؟ أم هل نريد في هذه المرحلة أيضا (احتلال) شرق الأردن؟" وأجاب سموتريتش: "نعم، شيئا فشيئا". وقال في نهاية المقابلة: "مكتوب في كتب الحكماء (القادة الروحيين والدينيين لليهود) أن مستقبل القدس هو أن تمتد إلى دمشق". وختم بقوله "وحدها القدس حتى دمشق.. باختصار لدينا الكثير لنطمح إليه".
واقتبس الباحث في نصوص التوراة البروفيسور "يوئيل إليتسور" (في مؤتمر عبر الإنترنت - من تنظيم حركة "أوري تسافون" (أيقظوا الشمال) - والذي تضمن ندوة بعنوان "نماذج ناجحة للاستيطان من الماضي ودروس لجنوب لبنان") نصوصا كثيرة من العهد القديم أو "التناخ" (الكتاب المقدس لدى اليهود) وأسماء أماكن لإثبات أن لبنان جزء من أرض الميعاد التي وردت في سفر التكوين، سواء في إطار "الوعد المحدود" - الذي يصل إلى خليج الإسكندرون في تركيا، ويشمل كل لبنان وغرب سوريا – أو "الوعد الموسع" الذي يشمل الأرض الواقعة جنوب الفرات، وكل سوريا وغرب العراق.
4. نزعة الاستيطان: يعتبر بعض قادة إسرائيل أن جنوب لبنان وصولاً حتى مدينة صيدا، أرضاً "إسرائيلية" ولذلك يقوم بعض المتطرفين بالضغط لعدم الانسحاب من الجنوب، وإقامة مستوطنات إسرائيلية، فقد نظم نشطاء من اليمين المتطرف، في أبريل/نيسان 2024 مظاهرة، دعوا فيها إسرائيل إلى احتلال جنوب لبنان والسماح لليهود بالاستيطان هناك.
ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يتحدث فيها اليمين المتطرف عن بناء المستوطنات جنوب لبنان، فقد سبقته في ذلك حركة "غوش إيمونيم" التي كانت تدعو في عام 1982 إلى العودة إلى "وطن قبيلة أشير". و "أشير" هو ثامن أبناء النبي يعقوب عليه السلام، وأحد الأسباط العشرة المفقودة، وفقا لليهود.
في المقابل على ماذا يعتمد لبنان لمواجهة هذه الأسباب و المبررات..
ليس لدى لبنان أي خيارات لمواجهة ما تقوم به دولة الاحتلال أو ما تهدد به، إلا:
1. الاستناد إلى مجلس الأمن: الاستناد إلى مجلس الأمن، مهم، ولكنه مع دولة الاحتلال، لا يُجدي نفعاً، وذلك لوجود الفيتو الأمريكي ضد اي قرار ضد "إسرائيل"، وأيضا، لضرب إسرائيل أي قرار لمجلس الأمن بعرض الحائط..
2. الاستناد إلى العرب: وهو أيضاً خيار فاشل، إذ أن العرب منقسمون فيما بينهم، وربع الدول العربية تقريبا تقيم علاقات مع دولة الاحتلال، ولا تسعى لتعكير صفو هذه العلاقات من أجل لبنان، والعرب ليسوا قوة يُحسب لها حساب في موازين القوى الدولية..
3. الدبلوماسية الدولية: استطاع لبنان تكوين علاقات دبلوماسية مع عدد كبير من الدول، ويمكنه الاستناد إليها، ولكن، تصطدم جميع جهوده بـ تصلب مواقف دولة الاحتلال، وعدم قدرة هذه الدول على إجبار إسرائيل على تنفيذ أي بند أو قرار لصالح لبنان..
4. التعويل على المقاومة: يمكن للمقاومة أن تدحر اي احتلال، ولا يمكن لمحتل أن يستمر باحتلال أرض شعبها حي، ولكن، لانتصار المقاومة، لا بد أن تبقى مقاومة، فلا يمكن أن تكون مقاومة في "لبنان" وقوة احتلال ترتكب المجازر في سوريا، فهذا يُفقدها شرعية المقاومة التي تدعيها، ولذلك، انتصرت المقاومة (ولا أقصد هنا حزب الله فقط بل جميع من حمل السلاح ضد إسرائيل من جميع الانتماءات) بعد احتلال لبنان عام 1982، واستطاع المقاومون دحر الاحتلال، وإخراجه من لبنان، وحتى عام 2000 كان حزب الله قادر على تنفيذ عمليات نوعية ضد الاحتلال، ولكن انشغاله بالشأن السوري، وتوجيه سلاحه إلى الداخل اللبناني، أضاع بوصلته، وأصبح منبوذا داخلياً، وموسوماً بالإرهاب عربياً ودولياً..
5. الوحدة الداخلية: لا يمكن لأي شعب الانتصار إذا كان منقسماً، تنهشه الخلافات، أو يكون مرتبطاً بالخارج، وقد شاهدنا الانقسام في لبنان حول مقاومة المحتل الإسرائيلي، وأيضاً الانقسام حول شرعية الوجود السوري في لبنان أثناء حكم النظام البائد.. فلم يتفق اللبنانيون على عداء إسرائيل بالمطلق، ولا على شرعية الوجود السوري في لبنان بالمطلق.. وهذا يضر بالمصلحة الوطنية، ويعمل على إرسال رسالة للخارج للتدخل بشؤوننا الداخلية..
6. تعزيز قدرات الجيش اللبناني: لا يمكن لأي دولة أن تفرض الأمن والسيطرة إلا من خلال القوة العسكرية، ويكون ذلك من خلال جيش وطني، ولكن، هذا الجيش، إن لم يكن يملك قوة عسكرية قادرة على رد العدوان، والتصدي للمعتدي، لن يتمكن من حماية حدود البلاد، وهذا ما نراه اليوم في الجنوب، من عربدة إسرائيلية بعد وقف الحرب، فإن كانت الدولة اللبنانية، تريد فرض سلطتها و شرعيتها على الأراضي اللبنانية، عليها أن تسعى لتسليح الجيش بأحدث الأسلحة، ولا يبقى سلاحه للدفاع فقط، فلا بد للجيش من سلاح هجومي متطور، حتى يمنع العدو من التفكير في الاعتداء على لبنان..
الخلاصة، مبررات إسرائيل تقوم على فرط القوة التي تملكها، والدعم اللامحدود من الولايات المتحدة وبريطانيا وغيرهما، في المقابل، ضعف لبنان في التعامل مع هذه الأسباب و المبررات، تعود لإنقسامه الداخلي، وعدم الجمع بين العمل الدبلوماسي والمقاومة الشعبية المنخرط فيها كل مكونات الشعب بكل طوائفه ومذاهبه، والأهم من ذلك، تآكل وحدة الشعب اللبناني..
ومع هذا، نأمل أن يستطيع لبنان إثبات حضوره الدولي وقوته الشعبية في إفشال تمرير إسرائيل تبريراتها للبقاء في لبنان، وأن لا يعود إلى سياسة "الترقيع" إرضاء لطرف على طرف آخر، ونبقى في دوامة الفوضى، والعربدة الإسرائيلية في أرضنا وسمائنا..