رمضان بورصة ـ الجزيرة نت
المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي (يمين) ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يظهران على شاشة، في أنقرة بتركيا (وكالة الأناضول)
مرت ثلاثة أشهر على الحرب التي استمرت 12 يوما بين إيران وإسرائيل. والجميع على يقين بأن جولة ثانية من هذه الحرب، التي لم يكن لها منتصر حاسم، أمر لا مفر منه.
وتقود إسرائيل، وعلى رأسها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والمسؤولون والخبراء والإعلام، عملية دعاية مكثفة لكسر صمود المجتمع الإيراني ووحدته.
في المقابل، تسعى إيران إلى معالجة نقاط الضعف التي كشفتها الحرب، والاستعداد لحرب جديدة من خلال إجراء مناورات عسكرية.
كلا الجانبين، الإسرائيلي والإيراني، لا يريان حربا ثانية أمرا بعيد المنال.
وقد صرح رئيس الأركان الإسرائيلي، إيال زامير، بوضوح في تصريح له في أغسطس/آب: "لم ننتهِ من إيران بعد". ووصف زامير حرب الـ 12 يوما التي وقعت في يونيو/حزيران بأنها "المرحلة الأولى من العملية".
من جانبه، قال وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، في منشور على منصة "إكس": "إذا تكرر العدوان، فلن نتردد في الرد بشكل أكثر حسما، وبطريقة يستحيل التستر عليها".
كما تقوم وسائل الإعلام الإيرانية، وعلى رأسها وكالة تسنيم للأنباء المقربة من الحرس الثوري الإيراني، بنشر أخبار وتحليلات تشير إلى احتمال اندلاع الحرب مجددا.
وبينما تواصل إيران وإسرائيل استعداداتهما العسكرية، فإنهما تعملان من خلال التصريحات والإعلام على تهيئة الرأي العام لحرب جديدة.
المناورات العسكرية
بعد حرب الـ 12 يوما، أجرت إيران مناورة عسكرية شاملة باسم "القوة المستدامة 1404" يومي 20 و21 أغسطس/آب في خليج عمان وشمال المحيط الهندي.
شاركت في المناورة فرقاطة من طراز "موج" (IRIS Sabalan) وسفينة إطلاق الصواريخ (IRIS Ganaveh). وفي إطار المناورة، نفذت السفن الحربية عمليات إطلاق نار حية باستخدام صواريخ "نصير" و"قدير" الإيرانية المضادة للسفن.
وقال قائد القوات البحرية الإيرانية، الأدميرال شهرام إيراني، في تصريح خلال المناورة إن الهدف الأساسي من مناورة "القوة المستدامة 1404" هو التحقق من الجاهزية العملياتية في ظروف قتالية حقيقية.
وشملت المناورة تدابير مضادة للحرب الإلكترونية، وتحليق طائرات بدون طيار، ومهام حرب مضادة للغواصات. وأشار البيان الصادر إلى أن وحدات القوات البحرية قامت بمناورات في ممر واسع يمتد من مضيق هرمز إلى المياه العميقة في المحيط الهندي، مما يؤكد سعي إيران لنقل عملياتها البحرية إلى ما وراء المناطق الساحلية نحو وضع أوسع في أعالي البحار.
كما أجرت إيران تجارب صاروخية في أوقات مختلفة بعد حرب الـ 12 يوما، وأعلنت يوم الخميس الماضي عن إجراء تجربة صاروخية جديدة.
من الجانب الإسرائيلي، أُجريت مناورة لافتة للنظر في 10 أغسطس/آب، أي قبل عشرة أيام من مناورة إيران.
بدأت المناورة بشكل مفاجئ في الساعة 05:30 صباحا 10 أغسطس/آب، وتم الإعلان عن أن هدفها هو "اختبار وقت الاستجابة والانتقال من الحالة الروتينية إلى التعبئة والانتشار في حالة وقوع حدث واسع النطاق ومتعدد الجبهات".
استمرت المناورة حوالي 5 ساعات ونُفذت في 7 مجالات:
التسلل من 3 نقاط على الحدود الأردنية.
هجوم بطائرة بدون طيار على مطار رامون.
عملية ضد خليتين مسلحتين في الضفة الغربية، وصلت إحداهما إلى الطريق السريع رقم 6.
إطلاق صواريخ من الشمال.
هجوم من اليمن على حقل غاز في عرض البحر.
هجوم بطائرة بدون طيار.
هجوم صاروخي من إيران على إسرائيل.
نتائج المناورة:
تبين أن سرعة نشر القوات على الحدود الأردنية كانت بطيئة. تمت إعادة تنظيم خطط التعبئة ومخططات الانتشار. تم توضيح إجراءات التكامل بين المقرات.
بعد انتهاء المناورة:
بدأ الجيش الإسرائيلي "تقييما عاما للجاهزية" لجميع الوحدات القتالية. أُعلن أنه سيتم تكرار مثل هذه التدريبات المفاجئة بانتظام.
إيران والتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية
أثناء الحرب التي بدأت بهجوم إسرائيل على إيران وبعدها، اتهمت طهران مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل ماريانو غروسي، بتمهيد الطريق للهجمات الإسرائيلية.
وبعد التوصل إلى وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، طالب غروسي بفتح المنشآت النووية الإيرانية لتفتيش الوكالة. لكن الجانب الإيراني رفض الطلب، معلنا أنه فقد ثقته في غروسي والوكالة.
وصادق البرلمان الإيراني على قانون يمنع الوكالة الدولية للطاقة الذرية من إجراء عمليات تفتيش في منشآت إيران النووية.
ولكن بعد فترة وجيزة من المصادقة على القانون، فتحت الحكومة الإيرانية منشأة بوشهر النووية أمام مفتشي الوكالة. أثار هذا القرار غضب السياسيين المحافظين في إيران الذين جادلوا بأنه مخالف للقانون.
وأوضح وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، أن دخول مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى البلاد تم بقرار من المجلس الأعلى للأمن القومي؛ بهدف الإشراف على تغيير الوقود في محطة بوشهر النووية.
وقد قررت الحكومة الإيرانية، رغم كل الاعتراضات، التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمنع حرب جديدة، انطلاقا من أن إغلاق المنشآت النووية وعدم التعاون مع الوكالة قد يُستخدم كذريعة لهجمات إسرائيلية جديدة.
فقد صرح غروسي في أغسطس/آب بوضوح أن "عدم فتح منشآت إيران النووية أمام الوكالة قد يؤدي إلى اندلاع حرب جديدة".
وبعد وقت قصير من إعلان ألمانيا، وفرنسا، وبريطانيا أنها ستبدأ بتطبيق آلية "سناب باك" في 28 أغسطس/آب، التقى وزير الخارجية الإيراني عراقجي ومدير الوكالة غروسي في القاهرة بوساطة مصرية.
ووقع عراقجي وغروسي اتفاقا في القاهرة يهدف إلى إعادة بناء التعاون، بما في ذلك استئناف عمليات التفتيش في المنشآت النووية.
يحدد الاتفاق الموقع بين إيران والوكالة الخطوات التي سيتم اتخاذها لاستئناف الأنشطة الفنية اللازمة في إيران.
وعُقد المؤتمر العام التاسع والستون للوكالة في فيينا في الفترة من 15 إلى 19 سبتمبر/أيلول 2025. وفي كلمته حول تنفيذ اتفاق القاهرة، أشار غروسي بشكل غير مباشر إلى التدخل العسكري قائلا: "عندما تتمكن الوكالة من أداء مهامها، تختفي الشكوك والمخاوف، ولكن إذا تم تقييد هذه القدرة أو إعاقتها، فإن السلم والأمن الدوليين يتعرضان لخطر جسيم".
ستستمر الجهود الدبلوماسية الإيرانية لمنع تفعيل آلية "سناب باك" بشكل مكثف في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
جرى أول اجتماع بين عباس عراقجي ورافائيل غروسي في 23 سبتمبر/أيلول. وفي بيان لها حول مضمون الاجتماع، ذكرت وزارة الخارجية الإيرانية ما يلي: "تم في الاجتماع بحث آخر مستجدات العلاقات بين إيران والوكالة. وأشار وزير خارجيتنا إلى حسن نية إيران ونهجها المسؤول في القضية النووية، مؤكدا أن أي تقدم في هذا المجال يعتمد على تحمل الأطراف الأخرى مسؤولياتها ووضع حد لاستغلال مجلس الأمن لممارسة الضغط على إيران، وتقديم مطالب مفرطة".
الدول الأوروبية تصر على العقوبات
تواصل ألمانيا، وفرنسا، وبريطانيا سياساتها المصرة على تطبيق آلية "سناب باك"، والتي تعني إعادة فرض عقوبات مجلس الأمن الدولي على إيران.
في الواقع، تبذل الحكومة الإيرانية جهدا جادا لمواصلة الحوار مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية؛ لمنع إعادة فرض عقوبات مجلس الأمن، رغم كل اعتراضات المعارضة الداخلية وحتى قرار البرلمان الإيراني.
إن إصرار الدول الأوروبية الثلاث على فرض العقوبات على إيران يدفع طهران إلى إدارة الدبلوماسية واتخاذ قرارات جديدة في نفس الوقت.
وبينما يواصل وزير الخارجية الإيراني عراقجي الحوار مع غروسي بشأن عملية تفتيش المنشآت النووية، اتخذ مجلس الأمن القومي الإيراني قرارا صارما في 20 سبتمبر/أيلول.
وأكد المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني في بيانه أن "خطوات الدول الأوروبية ستؤدي إلى تعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية".
وتضمن بيان المجلس جملة مهمة جدا تشير إلى العمليات العسكرية: "(في الاجتماع) تم تحليل الإجراءات التي طرحتها بعض الدول على الساحة الدولية فيما يتعلق بالعمليات العسكرية والعقوبات، وفي هذا السياق، تمت مناقشة الخطوات غير المدروسة التي اتخذتها الدول الأوروبية الثلاث بشأن قضية إيران النووية".
إن الخطوات التي اتخذتها ألمانيا، وفرنسا، وبريطانيا لإعادة فرض عقوبات مجلس الأمن، تدفع إيران إلى عملية معقدة. فبينما تدير إيران الدبلوماسية، فإنها تضع على جدول أعمالها أيضا تحركات صارمة ضد خطوات الدول الأوروبية.
وقد تؤدي خطوات الدول الأوروبية الثلاث لإعادة فرض العقوبات إلى انهيار العملية التي تديرها إيران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مما قد يفتح الباب أمام هجوم عسكري جديد على إيران.
أين اليورانيوم المخصب؟
تتذرع إسرائيل والولايات المتحدة باليورانيوم الذي خصّبته إيران بنسبة تزيد عن 60% لشن هجوم عليها. وبعد حرب الـ 12 يوما، يسود أكبر قدر من الغموض حول هذا الموضوع، وتصدر تصريحات متناقضة بشأنه.
صرح المسؤولون الإيرانيون أثناء حرب الـ 12 يوما وبعدها بأنهم نقلوا اليورانيوم قبل الحرب إلى مكان آخر لا يعرفه أحد، وأن اليورانيوم لم يكن موجودا في المنشآت التي قصفتها إسرائيل والولايات المتحدة.
وقال الرئيس الأميركي ترامب، في تصريح بعد الهجوم على منشآت إيران النووية، إنهم دمروا منشآت إيران النووية بالكامل. بينما ذكرت إسرائيل أنها أخرت قدرة إيران على الوصول إلى السلاح النووي لعدة سنوات.
لكن بعد فترة وجيزة، وبسبب تصريحات المسؤولين الإيرانيين بأن "اليورانيوم لم يتضرر وهو في أيدينا"، بدأت كل من الولايات المتحدة وإسرائيل في إصدار تصريحات تفيد بأن الهجمات لم تلحق أضرارا كبيرة بالقدرات النووية الإيرانية.
إن تصريحات المسؤولين الإيرانيين بأنهم خرجوا أقوياء من حرب الـ 12 يوما وأن إسرائيل والولايات المتحدة لم تتمكنا من إلحاق ضرر جسيم ببرنامجهم النووي، ستُستخدم كذريعة لشن هجمات جديدة على إيران.
وتبرز التصريحات الاستعراضية للمسؤولين العسكريين الإيرانيين على وجه الخصوص كأكبر عقبة أمام الدبلوماسية الإيرانية.
وبالفعل، يضطر وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، في كل اجتماع دولي يعقده إلى الإجابة عن سؤال: "أين اليورانيوم؟"، كما أن تصريحات المسؤولين العسكريين الإيرانيين تضعف موقفه في المفاوضات.
وفي هذا السياق، صرح عباس عراقجي في برنامج على التلفزيون الرسمي الإيراني في 13 سبتمبر/أيلول بأن "يورانيومنا بقي تحت أنقاض المنشآت النووية التي تم قصفها".
الخطر الكبير
تستمر الدبلوماسية في بيئة صعبة شكلتها المناورات العسكرية، والتصريحات العسكرية المتبادلة بين إيران وإسرائيل، وتحركات الدول الأوروبية؛ لإعادة فرض العقوبات، والقرارات الجديدة التي اتخذتها إيران.
تدعو إسرائيل المجتمع الإيراني إلى الانتفاض ضد النظام، وتؤكد على ضرورة تغيير النظام الإيراني، وتشير إلى إمكانية شن تدخل عسكري جديد.
بينما يقول رئيس الأركان الإيراني، الجنرال موسوي، وغيره من المسؤولين العسكريين: "سنرد على أي تهديد من العدو بمفاجآت إستراتيجية لا يمكن تصورها".
وفي 22 سبتمبر/أيلول، وجّه 71 نائبا إيرانيا رسالة إلى أعضاء المجلس الأعلى للأمن القومي والمسؤولين الحكوميين، طالبوا فيها "بإعادة النظر في العقيدة العسكرية الإيرانية ومسألة الأسلحة النووية".
إذا تم اتخاذ قرار بإعادة فرض عقوبات مجلس الأمن بمبادرة من ألمانيا، وفرنسا، وبريطانيا، فقد تقرر إيران إنهاء تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية والانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT).
مثل هذا الوضع يحمل احتمالا قويا بفتح الباب أمام اندلاع حرب جديدة أقوى وأطول بين إيران وإسرائيل والولايات المتحدة.
من ناحية أخرى، لا تدعم روسيا والصين، العضوان الدائمان في مجلس الأمن، إعادة فرض العقوبات على إيران. لكنهما لم تتخذا بعد أي خطوات ملموسة لدعم إيران بخلاف بعض التصريحات.
هل تحدث مفاجأة؟
توجه الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، إلى الولايات المتحدة للمشاركة في الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة.
وجاء في بيان صادر عن الحساب الرسمي لآية الله خامنئي على منصة "إكس" بهذا الشأن: "التقى الرئيس الدكتور بزشكيان، عشية مشاركته في الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، اليوم بعد الظهر بقائد الثورة (خامنئي) وقدم تقريرا عن الاستعدادات لهذه الزيارة. وقد دعا آية الله خامنئي للرئيس بالتوفيق والنجاح، وقدم له بعض التوصيات".
ونقل مصدران إيرانيان، أن المرشد الأعلى الإيراني، آية الله خامنئي، أذن للرئيس بزشكيان بالاجتماع مع الرئيس الأميركي ترامب.
وكان الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني قد أجرى محادثة هاتفية مع الرئيس الأميركي آنذاك باراك أوباما خلال زيارته نيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2013.
إذا تحققت المعلومات التي نقلتها المصادر الإيرانية، وجرى لقاء وجها لوجه بين بزشكيان وترامب، فسيتم إحراز تقدم في الملف النووي، وسيضعف احتمال نشوب حرب جديدة.
لكن المسار الحالي بين إيران والولايات المتحدة والدول الأوروبية وإسرائيل يغذي الأزمة أكثر.