نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” تقريرا أعده ألكسندر وورد ودوف ليبر، تساءلا فيه عن عجز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على وقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، رغم انزعاجه المستمر من المسؤول الإسرائيلي في أحاديثه الخاصة. وورد أن ترامب علق غاضبا بعد استهداف إسرائيل لقادة حماس في قطر بقوله إنه “يلعب بي”.
وتقول الصحيفة إن ترامب يشعر بالإحباط من نتنياهو، فهل سيغضب يوما وبما فيه الكفاية ليوقفه عند حده أو يفعل شيئا حيال تحدي رئيس الوزراء الإسرائيلي له؟
وأخبر ترامب العديد من مساعديه في الأسابيع الأخيرة أن نتنياهو يفضل استخدام القوة العسكرية لإجبار حماس على الاستسلام، بدلا من أسلوبه المفضل المتمثل في التوصل إلى وقف إطلاق نار تفاوضي.
وبلغ إحباط ترامب ذروته الأسبوع الماضي بعد ساعات من هجوم إسرائيل على مفاوضي حماس في قطر، وهي عملية هددت بعرقلة محادثات السلام الهشة. وقال ترامب عن نتنياهو: “إنه يلعب بي”، وفقا لمسؤولين سمعوا التعليق. وكان ترامب يتحدث مع كبار مساعديه، بمن فيهم وزير الخارجية ماركو روبيو، حول كيفية الرد على الضربات الإسرائيلية.
وغالبا ما حيرت مشاعر ترامب المتوترة تجاه نتنياهو واشنطن. لماذا يسمح ترامب، الذي يفضل الحفاظ على الهيمنة في العلاقات لنتنياهو باستمرار بالعمل في تحد مباشر لرغباته؟
ونقلت الصحيفة عن شالوم ليبنر، الذي عمل مع سبعة رؤساء وزراء إسرائيليين متعاقبين على مدى ربع قرن، وهو الآن في المجلس الأطلنطي في واشنطن قوله: “إنه أمر محير بعض الشيء ويخالف البديهة”، مضيفا: “لقد أطالت تحركات نتنياهو أمد حرب غزة، وسببت مشاكل لترامب مع حلفاء الولايات المتحدة الآخرين في المنطقة، وجعلت توسيع اتفاقيات إبراهيم أمرا بالغ الصعوبة”.
وفي أحيان، استخدم ترامب لغة قاسية ضد نتنياهو، وبخاصة بعد أن قدم التهنئة لجو بايدن على فوزه الرئاسي في عام 2020، وقال للصحافي باراك رافيد إنه يعتبر نتنياهو خائنا: “اللعنة عليه”. إلا أن انتقادات ترامب لم توقف نتنياهو أو تضعفه، بحسب إيتمار رابينوفيتش، السفير الإسرائيلي السابق لدى الولايات المتحدة خلال إدارة كلينتون، والذي قال: “أنا في حيرة من أمري، وكذلك العديد من الإسرائيليين الآخرين. هو محاصر ويرتكب أخطاء، الشيء الوحيد الذي ينفعه هو دعم ترامب”.
ومع ذلك لم يتحول غضب ترامب إلى أي شكل من أشكال الضغط العلني، فقد رفض الاستفادة من الدعم العسكري والسياسي الأمريكي الواسع لإسرائيل، بالإضافة إلى علاقته الشخصية الوثيقة بنتنياهو. بل اختار الوقوف مكتوف اليدين بينما تشن إسرائيل هجوما واسعا على مدينة غزة، ويرى فرصة اتفاقية لوقف الحرب وتحرير الأسرى تتلاشى أمام عينيه.
ووصف مسؤول إسرائيلي بارز العلاقة بين نتنياهو وترامب بأنها ممتازة، وأن أي تقارير تخالف ذلك هي “أخبار كاذبة”. وأضاف المسؤول أن مصالح الولايات المتحدة وإسرائيل وقيمهما الأساسية متوافقة بشكل وثيق.
وتعلق الصحيفة أن أحد الأسباب لتفسير تردد ترامب هو أنه يرتبط مع نتنياهو بعلاقة صداقة. ويعتقد كلاهما أنهما واجها اضطهادا من النخب في الداخل، بما في ذلك محاكمات جنائية، وكلاهما يعتبر نفسه أنه جاء من الخارج ليصلح نظاما فاسدا.
وقال عومير دوستري، المتحدث السابق باسم نتنياهو، إن العلاقات بينهما “وثيقة جدا”. ومن الأسباب الأخرى لاستمرار العلاقات الدافئة هي نفوذ نتنياهو في الكونغرس وفي وسائل الإعلام ذات التوجه الجمهوري، وفقا لأشخاص مطلعين على تفكير رئيس الحكومة الإسرائيلي. وغالبا ما يلتقي نتنياهو مع المشرعين الأمريكيين في إسرائيل، وكانت مقابلاته مع وسائل الإعلام الأمريكية في الأشهر الأخيرة إلى حد كبير مع وسائل إعلام يتابعها مؤيدو ترامب، بما فيها “فوكس نيوز” و”نيوزماكس” وشبكة “أو أي أن”.
وفي حين انخفض دعم الديمقراطيين لإسرائيل بشكل حاد في السنوات الأخيرة، إلا أنه لا يزال مرتفعا بين الجمهوريين، فقد أظهر استطلاع رأي أجرته مؤسسة غالوب في تموز/ يوليو، أن ثلثي الجمهوريين لديهم وجهة نظر إيجابية تجاه نتنياهو، على عكس 9% من الديمقراطيين.
وقال أفنير غولوف، المدير الأول السابق في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي ونائب رئيس منظمة “مايند إسرائيل” في تل أبيب: “يريد الجمهوريون رؤية قصة نجاح ضد حماس”. ولكن بدأت تظهر بعد الشقوق في الدعم الجمهوري القوي لإسرائيل، حيث انتقد أعضاء تحالف ترامب “لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى” إسرائيل علنا، ونتنياهو على وجه التحديد، بحجة أن استمرار الحرب في غزة يهدد بجر الولايات المتحدة إلى عمق الصراع.
واتهمت النائبة مارغوري تايلور غرين، وهي جمهورية من جورجيا وحليف قوي لترامب، إسرائيل في يوليو بارتكاب “إبادة جماعية” في غزة. وفي غضون ذلك، لا يريد ترامب قطيعة علنية مع نتنياهو. وقال مسؤولون أمريكيون إنه فخور بعلاقاته الوثيقة مع نتنياهو ودعمه لإسرائيل. وكثيرا ما يتفاخر باتفاقيات إبراهيم التي أُبرمت خلال ولايته الأولى ويواصل السعي لتجديد العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، وهي جائزة دبلوماسية كبرى يطمح إليها علنا. كما يجد نتنياهو طرقا للتقرب من الدائرة المقربة من ترامب ومغازلته مباشرة. يوم السبت، شارك نتنياهو، إلى جانب السفير الأمريكي لدى إسرائيل مايك هاكابي، في حفل وضع حجر الأساس لتسمية متنزه في مدينة بات يام الساحلية باسم ترامب.
وتضيف الصحيفة أن نتنياهو شكّل علاقة تمكنه من إغضاب ترامب، ولو مؤقتا، لمعرفته أن هذا لن يدوم طويلا. وكثيرا ما وصف نتنياهو ترامب بأنه “أفضل صديق حظيت به إسرائيل في البيت الأبيض”. وقال ديميان ميرفي، المدير السابق لشؤون الديمقراطيين في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ: “يعلم نتنياهو أنه رغم تذمر البيت الأبيض قليلا، إلا أن اتباع نهج “طلب المغفرة لا الإذن” لا يسيء إلى أي شيء”.
وبعد غارة قطر، أجرى ترامب مكالمتين هاتفيتين مع نتنياهو، الأولى للتعبير عن استيائه والثانية لإجراء محادثة ودية حول مدى نجاح الهجوم الإسرائيلي. وتحدث ترامب لاحقا مع قادة قطر، مشيدا بدولتهم لتوسطها في المفاوضات بين إسرائيل وحماس، وكونها حليف قوي للولايات المتحدة، وتستضيف أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط.
وفي الوقت الذي يصر فيه نتنياهو على استسلام حماس والإفراج عن بقية الأسرى ومغادرة من تبقى من قادتها القطاع، إلا أن موقفه لا ينسجم مع رؤية ترامب لإنهاء الحرب المستمرة منذ عامين. لكن الرئيس الأمريكي اكتفى بالضغط على حماس وأصدر تحذيرات متكررة من أن الحركة ستواجه المزيد من العنف.
وفي هذا الأسبوع، كرر ماركو روبيو، وزير الخارجية الذي زار إسرائيل موقف ترامب، ولم يوجه أي انتقاد جديد لإسرائيل بسبب الضربة على قطر. ورفض نتنياهو استبعاد توجيه ضربات إلى الدول المجاورة في المستقبل لاستهداف حماس، التي يشارك أعضاؤها في مفاوضات وقف إطلاق النار في مصر وتركيا.
وجاءت الضربة على قطر في وقت غير مناسب للولايات المتحدة. فسيتوجه ترامب إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع المقبل لإلقاء خطاب من المتوقع أن يتطرق فيه إلى جهوده في صنع السلام.
وفي الأسابيع التي سبقت هذا الحدث، فشلت إدارة ترامب في ثني حلفاء مثل بريطانيا وفرنسا وكندا عن خطط الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
وقال روبيو يوم الاثنين إلى جانب نتنياهو: “سيكون هناك رد فعل إسرائيلي مضاد على هذه التحركات، وقد شهدنا بعضا من ذلك يحدث أيضا”.
(القدس العربي)