• لبنان
  • السبت, آب 02, 2025
  • اخر تحديث الساعة : 2:32:13 م
inner-page-banner
مقالات

الرئيس عون لقاسم: اسمع منّي يا شيخ

نجم الهاشم ـ نداء الوطن

بين 30 و31 تموز انقسم لبنان بين خطابين: خطاب الأمين العام لـ "حزب الله" الشيخ نعيم قاسم الذي رفض بشكل قاطع التخلي عن سلاحه ووضع اللبنانيين أمام خيارين الاحتلال أو الدمار، وخطاب رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون الذي وضع قاسم أمام خيارين: الاستقرار أو الانهيار. قاسم أقفل الحلول والمفاوضات والأبواب ورمى المفاتيح. بينما الرئيس حاول أن يبحث عن حلول وعن مفاتيح لفتح المرحلة على أفق جديد وعلى دولة كاملة السيادة، وأسدى النصيحة لـ "حزب الله" بأن الجيش هو الضمانة وليس السلاح. كأنّه يقول للشيخ نعيم: "اسمع منّي يا شيخ".

ولكن هل سيسمع الشيخ؟

كلمة قاسم في 30 تموز ألقاها عبر شاشة كبيرة في ثانوية الإمام المهدي في الحدث ‏في الضاحية الجنوبية، في الذكرى السنوية الأولى لاغتيال القائد العسكري المركزي في "حزب الله" الحاج فؤاد شكر، أو السيد محسن، في منزله السرّي في حارة حريك. وهي الضربة الأقسى التي كان تعرّض لها "الحزب" منذ دخل حرب المساندة في 8 تشرين الأول 2023، بعد يوم واحد على "عملية طوفان الأقصى" التي نفّذتها "حركة حماس" في قطاع غزة ولم يعلم بها أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله إلا فور حصولها. كلمة قاسم كانت أمام جمهور من "الحزب" في قاعة مقفلة لم تصل إلى مستوى اللقاءات الحاشدة التي كان يتحدّث فيها نصرالله.

كلمة رئيس الجمهورية جوزاف عون صباح 31 تموز جاءت خلال الاحتفال الذي أقيم في مقرّ وزارة الدفاع الوطني في اليرزة في ذكرى شهداء الجيش قبل يوم واحد من عيد الجيش في أول آب، حيث وضع إكليلًا من الزهر على نصب شهداء الجيش، ثم انتقل إلى قاعة العماد جان نجيم ليلقي خطابًا أمام حشد من الضباط، ولكنّه في الواقع كان يخاطب اللبنانيين ويتوجه مباشرة إلى الشيخ نعيم قاسم و"حزب الله" ناصحًا بالعودة إلى كنف الدولة والتخلّي عن السلاح للجيش الذي يحمي وحده اللبنانيين بمن فيهم الشيعة. بين جمهور "الحزب" في الضاحية وخطاب قاسم، وبين جمهور الضباط في اليرزة ومناديل "حزب الله" الصفراء في ثانوية الإمام المهدي، ينقسم المشهد اليوم بين خيارين: سلاح "الحزب" أم سلاح الجيش؟

اغتيال شكر وخطاب الإنكار

شكّل اغتيال شكر ضربة قاسية لـ "حزب الله". لم يكد "الحزب" يستوعب ما حصل ولم يكن نصرالله قد أُفيد بعد بأسرار العملية التي طالت أبرز قائد عسكري لديه يفترض أن يكون مكان وجوده من الأسرار العميقة، حتى جاءته الضربة الثانية في 31 تموز باغتيال رئيس "حركة حماس" اسماعيل هنية في سريره في قلب طهران، وهو اغتيال لم تفك طهران ألغازه بعد.

بحسب المعلومات المتداولة بعد اغيتال شكر، أن نصرالله أصيب بنكسة كبيرة لم يستطع أن يخرج منها بعد ذلك نتيجة عدم تقدير المدى الذي بلغه الاختراق الإسرائيلي لجسم "الحزب" التنظيمي والتسليحي. بحيث أن نصرالله أيقن أنّه شخصيًا قد لا يكون في أمان. وهذا ما اثبتته الأيام اللاحقة لهذا الاغتيال.

في خطاب الإنكار والتعالي عن فهم الواقع قارب قاسم خطاب نصرالله في أول آب في تشييع شكر وتوصيفه الخاطئ للحرب ونتائجها. قال قاسم: "سأقولها لكم صراحة من الآخر لن ‏نقبل أن يكون لبنان مُلحقًا بإسرائيل، ‏والله لو قُتلنا ولم يبقَ منا أحد، لن تستطيع إسرائيل أن تهزمنا، ولن تستطيع إسرائيل أن تأخذ لبنان رهينة، ما ‏دام فينا نفس حي...".‏ وقد جدّد قاسم رفض التخلّي عن السلاح معتبرًا أنّه "لمقاومة إسرائيل، لا علاقة له بالداخل اللبناني. السلاح الذي معنا هو قوة للبنان. ونحن ‏نقول: نحن مستعدون لنناقش كيف يكون هذا السلاح جزءًا من قوة لبنان. لكن، لن نقبل أن يُسلَّم السلاح إلى ‏إسرائيل".‏

كلمة نصرالله في أول آب 2024

في أول آب 2024 تحدّث نصرالله في تشييع شكر في مجمع سيّد الشهداء في الضاحية، أمام حشد كبير من المحازبين والمناصرين. بين مشهدي خطاب قاسم وخطاب نصرالله مسافة عام كامل ظهر فيها الانهيار الكبير الذي أصاب "حزب الله" في القيادة وفي القاعة، وفي الحضور والهيبة والمعنويات، وفي المشهد كله وفي الخطاب.

اعتبر نصرالله أن اغتيال شكر "جزء من الحرب الإسرائيلية الصهيونية الأميركية على فلسطين وعلى لبنان وعلى سوريا وعلى المنطقة وعلى شعوب المنطقة" ورفض ادعاء إسرائيل بأنّه ردّ على حادث سقوط صاروخ في مجدل شمس، في الجولان، أدّى إلى مقتل 12درزيًا. استذكر نصرالله "شكر وإخوانه ذو الفقار (مصطفى بدر الدين)، والحاج عماد (مغنية) مجتمعين في صورة واحدة... هؤلاء الإخوة الثلاثة كانوا سويًا منذ البدايات، الآن هناك بعض الرفاق ‏لهم ما زالوا على قيد الحياة حفظهم الله تعالى، لكن هذه واحدة من أهم النواة الأولى في مقاومتنا"... وذكر بأن شكر كان المسؤول العسكري المركزي وأنّه كان قائد فريق "حزب الله" الذي ذهب إلى ‏البوسنة للقتال...". وقال نصرالله: "إذهب وافعل ما شئت يا نتنياهو، أنت ‏والأميركيين الذين هم بظهرك، بايدن أو هاريس أو ترامب أو أيًا يكن، الأميركيون كلّهم مثل بعض يا إخوان، كلهم مثل بعض، "فكِدْ كيدَك، واسْعَ سعيَك، وناصِبْ جهدك، فوَ اللهِ لا تمحو ذِكْرَنا، ولا تُميت وحيَنا، ولا تُدرِكُ أمَدَنا، ولا تَرحضُ عنك عارها، وهل رأيك الا فَنَد ‏وأيَّامك الا عدد، وجمعُكَ الا بَدَد"، هذا ‏الجمع إن شاء الله سَيُبدّده الله ورجال الله في كل الميادين". وختم نصرالله: "لِشهيدنا لا نَقول وداعاً بل ‏نَقول إلى اللقاء، إلى اللقاء مع انتصار الدم على السيف، إلى اللقاء في الشهادة، إلى ‏اللقاء في جوار الأحبة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته". ‏

وداع بطعم الغياب

هذا الكلام الأخير قال عنه لاحقًا ابنه جواد، بعد اغتيال والده في 27 أيلول إنّه كان يستمع إليه مع الحاج أبو الفضل علي كركي، الذي اغتيل مع نصرالله، وعندما قال "إلى اللقاء" لم يعد يسمع باقي الكلام. رجف قلبه وسأل كركي: "شو عم يحكي؟ ليش عم يقول هيك؟". قال له كركي: "والله ما عندي علم". وانقلب كيانه في تلك اللحظة وشعر بأن والده يودّعهم وأنّه يتوقّع أن يُغتال ويلحق بشكر، وأنّه يمهّد لهم موحيًا بهذا الأمر. وقد ربط هذا الكلام بكلام قاله له والده كأنّه يوصيه بأن يكون الأب لإخوته في حال غيابه.

ولكن لم يكن هذا هو الكلام الأخير لنصرالله. في 6 آب، بعد أسبوع على اغتيال شكر، وبعدما تكاثرت التساؤلات حول سبب عدم ردّ "حزب الله" على اغتياله بشكل متناسب، كان عليه أن يبرّر وأن يفسّر. قال: "أؤكد لكم أنّ القدرة أيضاً موجودة. وكما ذكرت في التشييع، التصرّف بروية، بتأنّ، وأيضاً ‏بشجاعة وليس بانفعال، إنه ضربني فقوموا حتى نضربه، "يواش يواش"، على مهل. أساسًا اليوم هذا ‏الانتظار الإسرائيلي، كُنّا نقول على رجل ونصف، وقرأت من يومين على رجل وربع، يعني رفعوا الرجل ‏قليلًا، الانتظار الإسرائيلي على مدى أسبوع هو جزءٌ من العقاب... إسرائيل كلها تقف على رجل ‏ونصف من الجنوب إلى الشمال، إلى الوسط، حكومتها، جيشها، مجتمعها، مستوطناتها، مستعمروها، الكل ‏ينتظر ولسان حالهم يقول يا أخي "يلا خلصونا"...".

التقديرات الخاطئة للحرب

تقييم قاسم للحرب ونتائجها اليوم يشبه تقييم نصرالله لها قبل عام بالضبط. بين الخوف من النتيجة وبين ادعاء العكس والوعد بالنصر، استمرّ مسلسل العمليات الإسرائيلية من تفجيرات البيجر إلى اغتيال قادة "الرضوان" واستهداف مقرات "الحزب" ومستودعات ذخيرته وصواريخه، إلى اغتيال نصرالله ثم خلفه السيد هاشم صفي الدين، وغيره من القادة، وصولًا إلى اضطرار "الحزب" للموافقة على اتفاق وقف النار في 27 تشرين الثاني وقد ظهر لاحقًا أنّه كان اتفاق استسلام وإذعان.

اليوم لا يزال الشيخ نعيم يكابر، كما كابر نصرالله، مع أنّه ربّما يدرك بالتجربة والدليل الحسّي أنّ أي معركة جديدة تشنّها إسرائيل ضد "الحزب" ستكون قاتلة هذه المرة وقاضية عليه.

في ظل هذا الإنكار والتجبر على السلطة الجديدة في لبنان وعلى المطالبين بتخلي "الحزب" عن سلاحه ، يأتي خطاب رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون في اليرزة وكأنه يرمي خشبة الخلاص للشيخ نعيم ولـ "الحزب" وللبيئة الحاضنة له التي يقودها إلى نهر جديد من الدماء مهدّدًا بحرب ضد من يطالبه بتسليم سلاحه للجيش وبقطع الأيادي والأعناق والرؤوس.

في أول آب قبل أربعة أيام من اجتماع مجلس الوزراء لمناقشة مسألة حصرية السلاح، وفق ما ورد في خطاب الرئيس عون، كتب رئيس الحكومة نواف سلام على منصة "إكس": "جيش واحد لشعب واحد في وطن واحد... لا إنقاذ للبنان إلا بالعمل الجاد على حصر السلاح في يد جيشنا وحده، ولا استقرار إلا ببسط سلطة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها بقواها الذاتية، وفقًا لما نصّ عليه اتفاق الطائف، والبيان الوزاري لحكومتنا".

شيخ نعيم من الأفضل أن تقرأ في كتاب جوزاف عون وخطابه، لا في كتاب نصرالله وخطابه. الرئيس عون يريد مصلحتك ومصلحة لبنان والشيعة. اسمعه يا شيخ.  

بوابة صيدا

الكاتب

بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..

مدونات ذات صلة