مقالات

بديعة النعيمي ـ بوابة صيدا

هذا البيت هو بداية أنشودة لأحمد زراقط تم إلقاءها بتاريخ ١/يناير/١٩٧٠، وأدتها فرقة أباة الإنشادية... وهي الأنشودة ذاتها التي قامت كتائب القسام باقتباس عبارة منها *عبرنا مثل خيط شمس* وكتابتها على لافتة كبيرة يوم السبت ١٥/فبراير/٢٠٢٥ رفعت على منصة تسليم الأسرى ضمن الدفعة السادسة في المرحلة الأولى من صفقة التبادل. وكتبت العبارة بالعربية والإنجليزية والعبرية. ربما لتوصل رسائل إلى الولايات المتحدة الأمريكية المتمثلة برئيسها "ترامب" وإلى دولة الاحتلال المتمثلة ب "نتنياهو" وإلى العرب عموما..

والعبارة المقتبسة من كلمات الأنشودة آنفة الذكر تحمل الكثير من الرموز والدلالات التي أرادت المقاومة الفلسطينية إيصالها إلى العالم الذي تعود متابعة عملية التسليم في كل دفعة. ولكن هذه الدفعة الأمر كان مختلفا عن سابقاتها. لأنها جاءت بعد تصريحات خطيرة على لسان "ترامب" تتضمن خطة تهجير لأهل غزة إلى بلدان أخرى توازت مع أحلام "نتنياهو" واليمين المتطرف.

ولنبدأ برمزية ودلالات كلمة *عبرنا*..

كلمة العبور تشير إلى الانتقال من مرحلة إلى مرحلة أخرى، وهي مشحونة بمعاني القوة والثبات وتدل على التحول في التاريخ وأن العبور كان مرتبطا بلحظات حاسمة وهذا ما حصل يوم السابع من أكتوبر/٢٠٢٣ الذي كان يوما حاسما وشكل حدثا مفصليا ومؤثرا حين استطاعت المقاومة الفلسطينية كسر الحاجز الذي يفصل بين غزة ودولة الاحتلال، فسيطرت على عدد من المواقع العسكرية وقتلت وأسرت. وغيرت المعادلات بعبورها فكسرت كذبة الاستخبارات التي لطالما تبجحت بها هذه الدولة وأثبت الهجوم درجة هشاشتها واختراقها.

كما أن لكلمة عبور، دلالة على المفاجأة والمباغتة والتخطيط الذكي وخاصة في المجال العسكري، وتعتبر المباغتة جزء من استراتيجيات الحرب الناجحة. وهذا ما حصل يوم السابع من أكتوبر فقد كان الهجوم الذي شنته المقاومة الفلسطينية هجوما مفاجئا، صعق قيادات العدو.

كما تحمل كلمة العبور معنى الحرية والانعتاق من الاحتلال إلى الاستقلال، ولا أدل على ذلك العبارة التي أكملت المعنى وهي عبارة *لا هجرة إلا للقدس* وهذه تشير إلى معركة التحرير الأخيرة التي ستحرر المقدسات من الاحتلال.

كما أن العبور يحمل بعدا روحيا وفكريا. فعبور المقاومة من أرض غزة إلى أرض بيد الاحتلال لم يكن عبورا ماديا أي بالجسد فقط وإنما هو تحول فكري وروحي نحو وعي جديد مركزه التحرر والانعتاق من القيد الطويل وظلمته.

أما خيط الشمس في عبارة *عبرنا مثل خيط شمس* فهو يشير إلى التحرر من الاستبداد نحو نور الحرية والحقيقة التي تقول بأن الأرض لأصحابها الشرعيين لا لأولئك الذين جاءوا من الشتات.

وكما تبدد الشمس الظلام فإن السابع من أكتوبر وهو الطوفان الذي لن يهدأ سيبدد الاحتلال.

وكما أن خيط الشمس الأول الذي يخترق الظلام فجأة ويبدده كان عبور السابع من أكتوبر مفاجأة للعدو في عقر دارهم وسيبدده بإذن الله. هذا العبور الذي كان اختراق لواقع سياسي وعسكري لطالما جثم على القلوب وعاث فسادا بما ليس له. وهو بداية عهد جديد مختلف تحققت فيه الكرامة.

وهذه الشمس التي تشرق كل يوم دون توقف تتشابه مع المقاومة التي ابتدأت الطوفان الذي لن يتوقف حتى تحقيق الهدف وهو كنس الاحتلال وتحرير فلسطين بالكامل.

كما أن الشمس تحمل دلالة أخرى، فهي أي الشمس تعتبر مصدر الطاقة والحياة وهذا يرمز إلى الحماسة والقوة التي حملتها المقاومة في قلبها يوم السابع ولا زالت تحملها ضد طغيان العدو وجبروته الزائف.

وكما أن خيط الشمس يشير إلى كشف الحقائق وفضح الظلم، فقد كشف هجوم السابع وما بعده هزالة جيش الاحتلال وكسر أسطورة "الجيش الذي لا يهزم".

كما أن هناك دلالة مهمة في كلمة الشمس وهي أنها عندما تشرق تغير شكل العالم من ليل إلى نهار، من عتمة دامسة أخفت الملامح إلى ضوء ساطع كاشف فضح المعالم وكشف حقيقتها..وكذلك فإنّ السابع من أكتوبر هو نقطة تحول قلبت موازين المعادلة التي لطالما ثبتها الاحتلال لصالحه، حين أشعلت الحرب الدموية التي شنها على غزة، أزمة دبلوماسية بحيث أن عددا من الدول سحبت سفرائها من دولة الاحتلال وقطعت علاقاتها الدبلوماسية معها. كما اندلعت احتجاجات كبيرة ولأول مرة في جميع أنحاء العالم مؤيدة لفلسطين.

واتهمت محكمة العدل الدولية دولة الاحتلال بارتكاب إبادة جماعية في غزة. وغيرها من المعادلات التي قلب عبور السابع من أكتوبر موازينها إلى يومنا هذا.

وأخيرا كأن المقاومة الفلسطينية تريد أن توصل رسالة مفادها أن الشمس حين تشرق لا يمكن حجبها ولا إنكارها والسابع من أكتوبر فرض نفسه على الواقع السياسي والعسكري...

وكما قال أحد القساميين يوم التسليم نحن الطوفان...نحن اليوم التالي...

أي لن يكون هناك بعد انتهاء الحرب غير أهل غزة على أرضهم أما أحلامك يا ترامب ونتنياهو فهي زائلة.