مريم سيف الدين ـ نداء الوطن
لأكثر من عامين عرقل "حزب اللّه" انتخاب رئيس للجمهورية بدعم من رئيس مجلس النواب نبيه بري، والذي أقفل المجلس أمام الاستحقاق. لم تكن هي المرة الأولى التي يتحايل فيها "الحزب" على النظام الطائفي سعياً لفرض مرشحه أو إرادته على بقية الطوائف. وإذا كان هذا النظام قد وزّع على الأخيرة المناصب بحجة طمأنتها، لكن "حزب اللّه" أتقن اللعبة الطائفية جيداً وكان الأقدر على استغلالها واستخدامها ضد خصومه. واستفاد لتحقيق ذلك من الاختلافات والديناميكية الموجودة لدى بقية الطوائف، والتي حرّمها "الحزب" على الشيعة. وهكذا بات ما للطائفة الشيعية لـ "حزب اللّه" وحركة "أمل" وحدهما، وما لغيرها يشاركها به "الحزب".
شكّل السابع من أيار 2008 يوماً فارقاً في الحياة السياسية اللبنانية. وهو يوم قلب فيه "حزب اللّه" المعادلات السياسية بقوة سلاحه الذي وجّهه ضد لبنانيين بهدف إسقاط الحكومة وقرارات الشرعية اللبنانية. وتمكّن بعد ذلك التاريخ من التحكّم بالحياة السياسية عبر التعطيل والابتزاز بتكرار السابع من أيار. وهو ما حاول التلويح به حالياً استباقاً لاستحقاق اليوم، عبر "تسريبات". وربما استدرك "الحزب" أن ما قبل توقيعه اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل ليس كما بعده.
قبيل السابع من أيار عام 2008 ، عطّل "حزب اللّه" انتخاب رئيس للجمهورية حتى جرى توقيع اتفاق الدوحة بعد الأحداث الدموية. وبعد انتهاء ولاية ميشال سليمان، عاد "الحزب" مجدّداً إلى سياسة التعطيل التي استمرّت سنتين. وانتهى الفراغ الرئاسي بفرض "حزب اللّه" مرشحه آنذاك، ميشال عون، بعدما لم يجد حزب "القوات اللبنانية" مخرجاً سوى بالتفاهم مع "التيار الوطني الحر".
وفي إطار لعبته للالتفاف على النظام الطائفي في لبنان، عمل "حزب اللّه" في العقدين الماضيين على تضخيم شخصيات من طوائف أخرى، لم تكن لها أية حيثية. وجهد لتقديم الدعم المالي لها وإبرازها تمهيداً لطرحها في مناصب. وأراد "الحزب" من خلال لعبته هذه الإيحاء بأنه يملك تأييداً واسعاً لدى مختلف الطوائف، بينما يشكل مع حليفته حركة "أمل" الممثل الوحيد للشيعة. بالتوازي، حرص على تطويق وقمع الأصوات الشيعية المعارضة له. اعتقد "الحزب" أنه بذلك يصبح بإمكانه أن يحكم وحده مستعيناً بشخصيات "ماريونيت". وأنه بالمقابل لا يمكن لأحد أن يحكم دونه وإلّا عدّ ذلك ضرباً لـ "الميثاقية" ومسّاً بـ "السلم الأهلي".
من الأمثلة على تكتيك "حزب اللّه" للاستفادة من اللعبة الطائفية، محاولاته مثلاً تعويم الوزير السابق وئام وهاب. وحاول "الحزب" استخدامه في مواجهة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط للحدّ من نفوذ الأخير السياسي. كذلك نسّق "حزب اللّه" يوماً إعارة النائب طلال أرسلان عدداً من النوّاب ليتمكن من تشكيل كتلة نيابية كي يجلس على طاولة الحوار. وسابقاً خاض "حزب اللّه" لعبة تشكيل كتلة من النواب السنة ليحصل على حصة في التمثيل السني داخل مجلس الوزراء.
يحاول "حزب اللّه" اليوم الاستمرار في اللعبة ذاتها. وظنّ خلال العامين الماضيين أنه في موقع يستطيع من خلاله فرض سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية. تجاهل "الحزب" واقعًا، أن فرنجية لا يمثل المسيحيين، وبالكاد يملك نائباً، هو ابنه ووريثه طوني فرنجية. كما تجاهل أن الأخير لا يملك الصفات اللازمة، مكتفياً بصفة واحدة هي الطاعة لـ "الحزب" وللرئيس السوري المخلوع بشار الأسد. كذلك تجاهل "حزب اللّه" حتى حليفه المرشح جبران باسيل ولم يقم اعتباراً لرأيه أو وزنه السياسي.
لكن الزمن اليوم تغيّر. ولن يتمكن "حزب اللّه" من فرض مرشحه الرئاسي بعدما هزم بوجه إسرائيل وخسر حليفه السوري. وأمام توجّس الحلفاء من بقية الطوائف الذين صنعهم "الحزب" وخشية بعضهم من استمرار علاقتهم به على حالها، قد لا يستطيع "حزب اللّه" مستقبلاً الاستمرار في لعبته للتحايل على النظام الطائفي وفرض تعييناته وإرادته في مختلف المؤسسات.
بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..