مقالات

بديعة النعيمي ـ بوابة صيدا

كان لجبل النار الشرف بأن يحتضن فاتنة اسمها جنين على سفحه الشمالي.. جنين التي تُطل على ساحل مرج بن عامر وتؤنس وحشته. جنين الحاضنة، اللافظة.

احتضنت الفاتحين ولفظت الغزاة المعتدين.

جنين الكريمة التي أنشأ فيها أمراء قبيلة حارثة الطائية في القرن السابع عشر مرافق عامة للمسافرين وعمال البريد والحجاج والتجار.. ومنها خان وسبيل ماء وحمام ومسجد ودكاكين.

جنين الحانية التي استقبلت آلاف المهجرين من الفلسطينيين عام ١٩٤٨بعد أن طردتهم العصابات الصهيونية من قراهم ومدنهم.

على أرضها حطّت رحال القائد صلاح الدين الأيوبي بعد انتصاره في معركة حطين، وبات فيها ليلة وهو في طريقه إلى بيسان. وكانت من المعاقل المهمة لجميع الانتفاضات والثورات التي قام بها الشعب الفلسطيني. فكان لها حظ مع القائد الشهيد عز الدين القسام، بأن كانت قرية يعبد التابعة لها، هي نقطة انطلاق للثورة الفلسطينية الكبرى عام ١٩٣٥. وفي مثلث جنين شهدت ثورة ١٩٣٦ أشد معاركها ضد البريطان والعصابات الصهيونية.

ومن جنين أوشك المقاومون الفلسطينيون مع جنود عراقيين أن يحرروا حيفا وشطر الكيان الصهيوني قبل أن يثبت أقدامه في أرض فلسطين، لولا الخيانة العربية.

والجدير بالذكر أن لواء جنين كان يخلو قبل ٤٨ من أي تواجد صهيوني. لكن بعد هذا التاريخ قامت دولة الاحتلال بإقامة حزام استيطاني حول المدينة، بعد استعمارها وحصارها وسلبها أراضيها وتدمير بنيتها التحتية وذبح أهلها.

أنشيء على أرضها مخيم سمي باسمها عام ١٩٥٣حيث استقبل مئات الأسر الفلسطينية التي هُجّرت من حيفا ويافا واللد ومجد الكروم، وكلها كانت قريبة من المخيم.

أقيم المخيم على الجانب الغربي من المدينة وفي أطراف مرج بن عامر، تحيط به المرتفعات ويمر بوادي الجدي. بالإضافة منطقة سهلية مكتظة تعرف باسم منطقة الساحل في نابلس.

بتاريخ ١/ابريل/٢٠٠٢ اجتاح جيش الاحتلال الفاشي المخيم في محاولة للقضاء على المقاومة فيه، بأمر من "آرئيل شارون". حيث وقعت معركة شديدة، تصدت فيها المقاومة لجيش الاحتلال.

وعاث قطعان الجيش بالمخيم فقصفه قصفا عشوائيا ودمر البنى التحتية وارتكب المجازر، كما فرض النزوح الجماعي على كثير من سكانه.

وبعد ٢١ عاما نفذ جيش الاحتلال اجتياحا آخر بتاريخ ١٢/ديسمبر/٢٠٢٣ أي خلال طوفان الأقصى. حيث توغل عبر قوات كبيرة وبمشاركة القوات الخاصة ووحدات الجيش المختلفة، ودعم من سلاح الجو والمسيرات. وكان الهدف المعلن من هذا الاجتياح، اعتقال مطلوبين ومصادرة أسلحة وذخائر والقضاء على كتيبة جنين وأشكال المقاومة داخل المخيم.

ثم قامت دولة الاحتلال للمرة الثانية خلال الطوفان باجتياح ثلاث مدن في الضفة الغربية وكانت جنين من ضمنها، بتاريخ ٢٨/أغسطس/٢٠٢٤. واستعان جيش الاحتلال بالجرافات الضخمة والغطاء الجوي فدمرت البنية التحتية وارتقى عدد من الشهداء.

طبعا في كل مرة كان الجيش الفاشي يجتاح المخيم كان يخرج دون أن يحقق شيئا سوى التدمير والقتل، أما المقاومة فإنه يعجز عن القضاء عليها.

واليوم ومنذ بداية ديسمبر/٢٠٢٤ تتواصل الاشتباكات في جنين. لكن هذه المرة للأسف بين أبناء الشعب الواحد.

فالاشتباكات تدور بين قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية وكتيبة جنين التابعة لحركة الجهاد الإسلامي على إثر اختطاف الأسير المحرر عماد أبو الهيجاء.

وتواصل أجهزة الأمن الفلسطينية  عملية أمنية أطلقت عليها اسم "حماية وطن" في مخيم جنين للاجئين الفلسطينيين شمالي الضفة الغربية، مستهدفة مسلحين ينتمون لكتيبة جنين، تقول إنهم "خارجون عن القانون".

ولا زالت الأحداث تتصاعد على ضوء استمرار الحملة الأمنية التي بدأت بها الأجهزة الأمنية، حيث تفرض حصارا خانقا على مخيم جنين، وسط انقطاع الكهرباء والمياه وسقوط شهداء من المخيم بينهم أطفال ومقاومين.

ونسأل الله أن يحقن الدماء ويصلح ذات بين.