عبد الباسط ترجمان ـ بوابة صيدا
قد يظن البعض أن بني إسرائيل بدأ خبثهم، ومكرهم، وغدرهم، ببعثة المسيح عليه السلام، وتآمرهم عليه وعلى دعوته، وتحريضهم على قتله، واستفحل هذا الخبث والمكر، ببعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم والتحريض عليه وعلى دعوته وأتباعه، ومحاربته..
لا، إن جرائمهم، وغدرهم، ومكرهم، بدأ من الجد الأول "يعقوب".
نعم، يعقوب حفيد إبراهيم، وابن إسحاق، ووالد يوسف، وجد موسى هارون وداود وسليمان.. وجميع أنبياء بني إسرائيل..
ربما يستغرب البعض هذا الكلام، وكيف أجرؤ على تدوين هذا الاتهام بحق نبي الله يعقوب؟
فإذا كان "إسرائيل" أي يعقوب، كذاب، غدّار، مكّار، كما وصِف في "العهد القديم" فكيف سيكون حال الأبناء والأحفاد؟ وهذا يؤكد الطبيعة الخبيثة التي يتوارثها القوم إلى قيام الساعة..
لا بد من التذكير أن نبي الله إبراهيم صلى الله عليه وسلم هاجر إلى فلسطين، وأنجبت له سارة عليها السلام "إسحاق" وبُشرا بيعقوب أيضاً قبل ولادة إسحاق، قال تعالى "وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ".. وولد لإسحاق أيضا عيسو وهو ابنه "البكر" كما في الكتاب المقدس..
وكان إسحاق عليه السلام يرغب أن تكون بركته في ابنه البكر "عيسو"، ولكن زوجته "رِفْقَةُ" كانت ترغب أن تكون بركة إسحاق في ولدها الأصغر "يعقوب"، علما أن رِفْقَةُ والدة لـ عيسو و يعقوب..
و عمدت "رِفْقَةُ" زوجة نبي الله إسحاق إلى الحيلة و الخداع والمكر، لتنتزع البركة من إسحاق، لابنهما الأصغر "يعقوب".
ولنقرأ قصة الخداع والمكر كاملة، كما جاءت في سفر التكوين 27 / 1وَحَدَثَ لَمَّا شَاخَ إِسْحَاقُ وَكَلَّتْ عَيْنَاهُ عَنِ النَّظَرِ، أَنَّهُ دَعَا عِيسُوَ ابْنَهُ الأَكْبَرَ وَقَالَ لَهُ: «يَا ابْنِي». فَقَالَ لَهُ: «هأَنَذَا». 2فَقَالَ: «إِنَّنِي قَدْ شِخْتُ وَلَسْتُ أَعْرِفُ يَوْمَ وَفَاتِي. 3فَالآنَ خُذْ عُدَّتَكَ: جُعْبَتَكَ وَقَوْسَكَ، وَاخْرُجْ إِلَى الْبَرِّيَّةِ وَتَصَيَّدْ لِي صَيْدًا، 4وَاصْنَعْ لِي أَطْعِمَةً كَمَا أُحِبُّ، وَأْتِنِي بِهَا لآكُلَ حَتَّى تُبَارِكَكَ نَفْسِي قَبْلَ أَنْ أَمُوتَ».
5وَكَانَتْ رِفْقَةُ سَامِعَةً إِذْ تَكَلَّمَ إِسْحَاقُ مَعَ عِيسُو ابْنِهِ. فَذَهَبَ عِيسُو إِلَى الْبَرِّيَّةِ كَيْ يَصْطَادَ صَيْدًا لِيَأْتِيَ بِهِ. 6وَأَمَّا رِفْقَةُ فَكَلمتْ يَعْقُوبَ ابْنِهَا قَائِلةً: «إِنِّي قَدْ سَمِعْتُ أَبَاكَ يُكَلِّمُ عِيسُوَ أَخَاكَ قَائِلاً: 7ائْتِنِي بِصَيْدٍ وَاصْنَعْ لِي أَطْعِمَةً لآكُلَ وَأُبَارِكَكَ أَمَامَ الرَّبِّ قَبْلَ وَفَاتِي. 8فَالآنَ يَا ابْنِي اسْمَعْ لِقَوْلِي فِي مَا أَنَا آمُرُكَ بِهِ: 9اِذْهَبْ إِلَى الْغَنَمِ وَخُذْ لِي مِنْ هُنَاكَ جَدْيَيْنِ جَيِّدَيْنِ مِنَ الْمِعْزَى، فَأَصْنَعَهُمَا أَطْعِمَةً لأَبِيكَ كَمَا يُحِبُّ، 10فَتُحْضِرَهَا إِلَى أَبِيكَ لِيَأْكُلَ حَتَّى يُبَارِكَكَ قَبْلَ وَفَاتِهِ». 11فَقَالَ يَعْقُوبُ لِرِفْقَةَ أُمِّهِ: «هُوَذَا عِيسُو أَخِي رَجُلٌ أَشْعَرُ وَأَنَا رَجُلٌ أَمْلَسُ. 12رُبَّمَا يَجُسُّنِي أَبِي فَأَكُونُ فِي عَيْنَيْهِ كَمُتَهَاوِنٍ، وَأَجْلِبُ عَلَى نَفْسِي لَعْنَةً لاَ بَرَكَةً». 13فَقَالَتْ لَهُ أُمُّهُ: «لَعْنَتُكَ عَلَيَّ يَا ابْنِي. اِسْمَعْ لِقَوْلِي فَقَطْ وَاذْهَبْ خُذْ لِي». 14فَذَهَبَ وَأَخَذَ وَأَحْضَرَ لأُمِّهِ، فَصَنَعَتْ أُمُّهُ أَطْعِمَةً كَمَا كَانَ أَبُوهُ يُحِبُّ. 15وَأَخَذَتْ رِفْقَةُ ثِيَابَ عِيسُو ابْنِهَا الأَكْبَرِ الْفَاخِرَةَ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهَا فِي الْبَيْتِ وَأَلْبَسَتْ يَعْقُوبَ ابْنَهَا الأَصْغَرَ، 16وَأَلْبَسَتْ يَدَيْهِ وَمَلاَسَةَ عُنُقِهِ جُلُودَ جَدْيَيِ الْمِعْزَى. 17وَأَعْطَتِ الأَطْعِمَةَ وَالْخُبْزَ الَّتِي صَنَعَتْ فِي يَدِ يَعْقُوبَ ابْنِهَا.
18فَدَخَلَ إِلَى أَبِيهِ وَقَالَ: «يَا أَبِي». فَقَالَ: «هأَنَذَا. مَنْ أَنْتَ يَا ابْنِي؟» 19فَقَالَ يَعْقُوبُ لأَبِيهِ: «أَنَا عِيسُو بِكْرُكَ. قَدْ فَعَلْتُ كَمَا كَلَّمْتَنِي. قُمِ اجْلِسْ وَكُلْ مِنْ صَيْدِي لِكَيْ تُبَارِكَنِي نَفْسُكَ». 20فَقَالَ إِسْحَاقُ لابْنِهِ: «مَا هذَا الَّذِي أَسْرَعْتَ لِتَجِدَ يَا ابْنِي؟» فَقَالَ: «إِنَّ الرَّبَّ إِلهَكَ قَدْ يَسَّرَ لِي». 21فَقَالَ إِسْحَاقُ لِيَعْقُوبَ: «تَقَدَّمْ لأَجُسَّكَ يَا ابْنِي. أَأَنْتَ هُوَ ابْنِي عِيسُو أَمْ لاَ؟». 22فَتَقَدَّمَ يَعْقُوبُ إِلَى إِسْحَاقَ أَبِيهِ، فَجَسَّهُ وَقَالَ: «الصَّوْتُ صَوْتُ يَعْقُوبَ، وَلكِنَّ الْيَدَيْنِ يَدَا عِيسُو». 23وَلَمْ يَعْرِفْهُ لأَنَّ يَدَيْهِ كَانَتَا مُشْعِرَتَيْنِ كَيَدَيْ عِيسُو أَخِيهِ، فَبَارَكَهُ. 24وَقَالَ: «هَلْ أَنْتَ هُوَ ابْنِي عِيسُو؟» فَقَالَ: «أَنَا هُوَ». 25فَقَالَ: «قَدِّمْ لِي لآكُلَ مِنْ صَيْدِ ابْنِي حَتَّى تُبَارِكَكَ نَفْسِي». فَقَدَّمَ لَهُ فَأَكَلَ، وَأَحْضَرَ لَهُ خَمْرًا فَشَرِبَ. 26فَقَالَ لَهُ إِسْحَاقُ أَبُوهُ: «تَقَدَّمْ وَقَبِّلْنِي يَا ابْنِي». 27فَتَقَدَّمَ وَقَبَّلَهُ، فَشَمَّ رَائِحَةَ ثِيَابِهِ وَبَارَكَهُ، وَقَالَ: «انْظُرْ! رَائِحَةُ ابْنِي كَرَائِحَةِ حَقْل قَدْ بَارَكَهُ الرَّبُّ. 28فَلْيُعْطِكَ اللهُ مِنْ نَدَى السَّمَاءِ وَمِنْ دَسَمِ الأَرْضِ. وَكَثْرَةَ حِنْطَةٍ وَخَمْرٍ. 29لِيُسْتَعْبَدْ لَكَ شُعُوبٌ، وَتَسْجُدْ لَكَ قَبَائِلُ. كُنْ سَيِّدًا لإِخْوَتِكَ، وَلْيَسْجُدْ لَكَ بَنُو أُمِّكَ. لِيَكُنْ لاَعِنُوكَ مَلْعُونِينَ، وَمُبَارِكُوكَ مُبَارَكِينَ».
بدأت بركة يعقوب (إسرائيل) عليه السلام بالكذب، والمكر والخداع، وهذا ما يقوله شراح الكتاب المقدس: "ومع ذلك لا ننكر أن يعقوب وقع في خطيئة الخداع، وقد نال الجزاء عليها.... ولكن خطأ يعقوب وخداعه لأبيه، لم يمنع تنفيذ القصد الإلهي. وكان القصد الإلهي هو أن يأخذ البركة فأخذها. أما كونه قد قلق وأسرع لينال البركة بطريقة مخادعة كما نصحته أمه.. فهذا لا يمنع أنه كان لا بُدّ سينال البركة بطريقة شرعية روحية سليمة، لو أنه لم يقلق ولم يسرع.." (أسئلة عن الكتاب المقدس)
ويقول البابا شنوده الثالث في كتاب "تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف": "يعقوب سعى إلى البركة بطريقة الغش والخداع. لقد أطاع نصيحة أمه. وفي الواقع لقد أطاع شهوات قلبه التي كانت تتفق مع هذه النصيحة. والعجيب أن أمه لم تقدم له حيلتها كنصيحة، بل كأمر. وهكذا قالت له: "الآن يا ابني، اسمع لقولي في ما أنا أمرك به" (تك 27: 8). ويعقوب لم يرفض. لم يقل لها في حزم "لا أقدر أن أخدع أبي، محتقرًا عمى بصره". بل انه كان يخشى فقط انكشاف الخدعة. ولم يكن يعقوب جريئًا وشجاعًا مثل سليمان..."
ويقول: "أما يعقوب فتقدم ليخدع أباه، مرتكبًا خطايا عديدة... قال له "أنا عيسو بكرك، قد فعلت كما كلمتني. قم أجلس وكل من صيدي، لكي تباركني" (تك 27: 19). كم كذبة كذبها يعقوب في هذه العبارة؟ لا هو عيسو البكر، ولا أبوه كلمه عن صنع أطعمة له، ولا هو اصطاد شيئًا..! ولما تعجب أبوه من السرعة في الصيد وإعداد الطعام، أجابه يعقوب "الرب إلهك يسر لي"!!.. إلى أن قال: "ان رفقة كانت ذكية. فلم تطبخ الطعام فقط لإسحق، بل طبخت العملية كلها. كانت رواية: ألفها الشيطان، وأخرجتها رفقة، ومثلها يعقوب، وخدع بها أباه".
تكملة القصة، أن عيسو علم بالأمر، فصرخ، وغضب، وحقد وتوعد يعقوب بالقتل، فطلبت "رفقة" من ابنها يعقوب الهرب إلى أخواله.. (سفر التكوين 27 / 42)
يقول أ. حلمي القمص يعقوب في "مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد القديم من الكتاب المقدس)": "وعندما احتال يعقوب على أبيه وأخذ بركة البكورية بالغش، والخداع، حقد عليه عيسو، ونوى قتله "فصرف إسحق يعقوب فذهب إلى فدان آرام إلى لابان بن بتوئيل الأرامي أخي رفقة أم يعقوب وعيسو".."
يَذكر سفر التكوين زواج يعقوب من بنات خاله لابان بن بتوئيل الأرامي، وكيف غدر به خاله، فقد خدم يعقوب عند خاله سبع سنين مقابل أن يتزوج ابنته راحيل، ولكن خاله زوجه بابنته "ليئة"، "وَكَانَتْ عَيْنَا لَيْئَةَ ضَعِيفَتَيْنِ، وَأَمَّا رَاحِيلُ فَكَانَتْ حَسَنَةَ الصُّورَةِ وَحَسَنَةَ الْمَنْظَرِ. 18 وَأَحَبَّ يَعْقُوبُ رَاحِيلَ.." (سفر التكوين 29..) فغضب يعقوب بسبب خداع خاله.. ثم اتفقا على أن يخدم خاله سبع سنين لتكون "راحيل" زوجة له..
"وهكذا كما خدع يعقوب أباه وأخذ البركة، كذلك أيضًا خدعه لابان ليذيقه الله مرارة الخداع حتى يبتعد عنه". كما جاء في تفسير الكتاب المقدس - الموسوعة الكنسية لتفسير العهد القديم: كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة.
وبزواج يعقوب من "الأختين" ـ وهذا مخالف لشريعة موسى كما في سفر اللاويين ـ اصبح ألعوبة بين زوجتيه، فتستأجره ليئة من راحيل ليلة مقابل اللُفَّاح كما في سفر التكوين 30: 14 ..
وذكر القمص "تادرس يعقوب" في تفسير الكتاب المقدس - العهد القديم - الصراع في حياة يعقوب، فيقول: "إن كان يعقوب قد دخل مع أخيه عيسو في صراع وهما بعد في الأحشاء (تكوين 25: 22)، فقد قضى حياته كلها سلسلة لا تنقطع من الصراعات، فقد صارع مع عيسو واختلس منه البكورية والبركة، والآن هذا هو في أرض الغربة يعيش في جو عائلي مملوء صراعًا بين زوجتيه ليئة وراحيل، ويدخل في صراع مع أبيهما بسبب أجرته، ويبقى هكذا كل حياته مصارعًا".
ثم بعد هذه السنين 3وَقَالَ الرَّبُّ لِيَعْقُوبَ: «ارْجعْ إِلَى أَرْضِ آبَائِكَ وَإِلَى عَشِيرَتِكَ، فَأَكُونَ مَعَكَ». (سفر التكوين 31 : 3)
17فَقَامَ يَعْقُوبُ وَحَمَلَ أَوْلاَدَهُ وَنِسَاءَهُ عَلَى الْجِمَالِ، 18وَسَاقَ كُلَّ مَوَاشِيهِ وَجَمِيعَ مُقْتَنَاهُ الَّذِي كَانَ قَدِ اقْتَنَى: مَوَاشِيَ اقْتِنَائِهِ الَّتِي اقْتَنَى فِي فَدَّانَ أَرَامَ، لِيَجِيءَ إِلَى إِسْحَاقَ أَبِيهِ إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ. 19وَأَمَّا لاَبَانُ فَكَانَ قَدْ مَضَى لِيَجُزَّ غَنَمَهُ، فَسَرَقَتْ رَاحِيلُ أَصْنَامَ أَبِيهَا. 20وَخَدَعَ يَعْقُوبُ قَلْبَ لاَبَانَ الأَرَامِيِّ إِذْ لَمْ يُخْبِرْهُ بِأَنَّهُ هَارِبٌ. 21فَهَرَبَ هُوَ وَكُلُّ مَا كَانَ لَهُ، وَقَامَ وَعَبَرَ النَّهْرَ وَجَعَلَ وَجْهَهُ نَحْوَ جَبَلِ جِلْعَادَ. 31وَلَمْ يَكُنْ يَعْقُوبُ يَعْلَمُ أَنَّ رَاحِيلَ سَرَقَتْهَا.
لماذا سرقت راحيل الأصنام؟ وهي زوجة النبي يعقوب وأم النبي يوسف وجدة سبطين من أسباط بني إسرائيل، (ابناء يوسف وبنيامين) وجدة الأنبياء موسى وهارون، ويوشع بن نون..
يقول القمص "أنطونيوس فكري" عن سرقة راحيل لأصنام والدها في شرح هذه الآية من الكتاب المقدس ـ العهد القديم ـ "هذه غلطة أخرى لراحيل فهي سرقت أصنام أبيها، الأصنام المذكورة هنا تسمى "الترافيم"، وهي تماثيل صغيرة في شكل أشخاص كان "الوثنيين" يضعونها في بيوتهم ويتفاءلون بها ويعتقدون أنها تجلب الخير ويستشيرونها. وقد سرقتها راحيل ربما بنفس المعاني فهي تتفاءل بها وتسهل لهم رحلتهم وتمنع والدها من أن يستشير هذه الأصنام فلا يدركهم وعجيب أن راحيل التي عاشرت يعقوب رجل الله ورجل الصلاة كل هذا العمر يكون لها مثل هذه المعتقدات الوثنية".
يقول الأرشيدياكون نجيب جرجس: "وربما تكون راحيل قد سرقتها للانتفاع بمعادنها، أو للتفاؤل بها واعتقادها أنها ستسهل لهم الهروب، أو لكي تحرم أباها من استشارتها فلا يُعرف منها طريق هروب يعقوب وأسرته، وكل هذا كان خطأ من الأخطاء التي وقعت فيها راحيل"( تفسير سفر التكوين ص 235)
ويقول البابا شنودة الثالث: "هذه الأصنام تدل على أن راحيل قد تأثرت بالوثنية التي كانت في بيت أبيها. وكان لا بُد أن يُخلّص الله يعقوب منها قبل عودته إلى بيت أبيه". (تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف ص 50).
ثم لحق به لابان: "33 فَدَخَلَ لاَبَانُ خِبَاءَ يَعْقُوبَ وَخِبَاءَ لَيْئَةَ وَخِبَاءَ الْجَارِيَتَيْنِ وَلَمْ يَجِدْ. وَخَرَجَ مِنْ خِبَاءِ لَيْئَةَ وَدَخَلَ خِبَاءَ رَاحِيلَ. 34وَكَانَتْ رَاحِيلُ قَدْ أَخَذَتِ الأَصْنَامَ وَوَضَعَتْهَا فِي حِدَاجَةِ الْجَمَلِ وَجَلَسَتْ عَلَيْهَا. فَجَسَّ لاَبَانُ كُلَّ الْخِبَاءِ وَلَمْ يَجِدْ. 35وَقَالَتْ لأَبِيهَا: «لاَ يَغْتَظْ سَيِّدِي أَنِّي لاَ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقُومَ أَمَامَكَ لأَنَّ عَلَيَّ عَادَةَ النِّسَاءِ». فَفَتَّشَ وَلَمْ يَجِدِ الأَصْنَامَ. (سفر التكوين 31..)
جاء في تفسير الكتاب المقدس - الموسوعة الكنسية لتفسير العهد القديم: كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة: "... وهكذا قادت خطية السرقة راحيل إلى الكذب أيضًا، ولكن الله، من أجل يعقوب المظلوم، قد ستر عليها ولم يظهر خطيتها".
أقول: لا أعرف كيف ستر الله عليها، وقد دُونت جريمتها في الكتاب المقدس.. فما هذا الستر؟
اغتصاب ابنة يعقوب.. وغدر أبناء يعقوب النبي ونقضهم الاتفاق والعهد..
جاء في سفر "التكوين 34: "وَخَرَجَتْ دِينَةُ ابْنَةُ لَيْئَةَ الَّتِي وَلَدَتْهَا لِيَعْقُوبَ لِتَنْظُرَ بَنَاتِ الأَرْضِ، 2فَرَآهَا شَكِيمُ ابْنُ حَمُورَ الْحِوِّيِّ رَئِيسِ الأَرْضِ، وَأَخَذَهَا وَاضْطَجَعَ مَعَهَا وَأَذَلَّهَا. 3وَتَعَلَّقَتْ نَفْسُهُ بِدِينَةَ ابْنَةِ يَعْقُوبَ، وَأَحَبَّ الْفَتَاةَ وَلاَطَفَ الْفَتاةَ. 4فَكَلَّمَ شَكِيمُ حَمُورَ أَبِاهُ قَائِلاً: «خُذْ لِي هذِهِ الصَّبِيَّةَ زَوْجَةً». 5وَسَمِعَ يَعْقُوبُ أَنَّهُ نَجَّسَ دِينَةَ ابْنَتَهُ. وَأَمَّا بَنُوهُ فَكَانُوا مَعَ مَوَاشِيهِ فِي الْحَقْلِ، فَسَكَتَ يَعْقُوبُ حَتَّى جَاءُوا".
وبعد غضب ابناء يعقوب على ما جرى، صالح شكيم و حمور يعقوب وأبناءه، وأرضاهم، بالمصاهرة فيما بينهم، والسكن مع بعضهم، بعد أن يختتنوا، جاء في سفر التكوين 34: "13 فَأَجَابَ بَنُو يَعْقُوبَ شَكِيمَ وَحَمُورَ أَبَاهُ بِمَكْرٍ وَتَكَلَّمُوا. لأَنَّهُ كَانَ قَدْ نَجَّسَ دِينَةَ أُخْتَهُمْ".. ولكنهم قوم خداعين، وهذا ما جاء في تفسير الكتاب المقدس - الموسوعة الكنسية لتفسير العهد القديم: كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة: "من ضيق أولاد يعقوب مما حدث، فكروا في خدعة للانتقام من قبيلة شكيم وليس من شكيم وحده... وهنا يظهر أن أولاد يعقوب، الذين يقودهم شمعون ولاوى، قد استخدموا الدين كخدعة للوصول إلى أغراضهم الشريرة، وهذا أمر خاطئ جدًا أي التظاهر بالتدين لإتمام الشر.".
"فَحَدَثَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ إِذْ كَانُوا مُتَوَجِّعِينَ أَنَّ ابْنَيْ يَعْقُوبَ، شِمْعُونَ وَلاَوِيَ أَخَوَيْ دِينَةَ، أَخَذَا كُلُّ وَاحِدٍ سَيْفَهُ وَأَتَيَا عَلَى الْمَدِينَةِ بِأَمْنٍ (أي لم يقاومهما أحد) وَقَتَلاَ كُلَّ ذَكَرٍ. 26وَقَتَلاَ حَمُورَ وَشَكِيمَ ابْنَهُ بِحَدِّ السَّيْفِ، وَأَخَذَا دِينَةَ مِنْ بَيْتِ شَكِيمَ وَخَرَجَا. 27ثُمَّ أَتَى بَنُو يَعْقُوبَ عَلَى الْقَتْلَى وَنَهَبُوا الْمَدِينَةَ، لأَنَّهُمْ نَجَّسُوا أُخْتَهُمْ. 28 غَنَمَهُمْ وَبَقَرَهُمْ وَحَمِيرَهُمْ وَكُلُّ مَا فِي الْمَدِينَةِ وَمَا فِي الْحَقْلِ أَخَذُوهُ. 29 وَسَبَوْا وَنَهَبُوا كُلَّ ثَرْوَتِهِمْ وَكُلَّ أَطْفَالِهِمْ، وَنِسَاءَهُمْ وَكُلَّ مَا فِي الْبُيُوتِ. 30 فَقَالَ يَعْقُوبُ لِشَمْعُونَ وَلاَوِي: «كَدَّرْتُمَانِي بِتَكْرِيهِكُمَا إِيَّايَ عِنْدَ سُكَّانِ الأَرْضِ الْكَنْعَانِيِّينَ وَالْفِرِزِيِّينَ، وَأَنَا نَفَرٌ قَلِيلٌ. فَيَجْتَمِعُونَ عَلَيَّ وَيَضْرِبُونَنِي، فَأَبِيدُ أَنَا وَبَيْتِي». 31فَقَالاَ: «أَنَظِيرَ زَانِيَةٍ يَفْعَلُ بِأُخْتِنَا؟». (سفر التكوين 34)
يقول " ليوتاكسل": " لا شك أنه سلوك وحشي دنيء غادر وخسيس، هذا إذا تحدثنا بلغة المتحضرين، لا بلغة التوراة، فقد ظهر أبناء يعقوب وناسه هم مجرد قطَّاع طرق لا ذمة لهم ولا عهد، فقد قدم أهل البلاد بلادهم لهم، ومدوا يد الصداقة والتآخي والعيش بسلام، ولكن شعب يهوه المختار غدروا بهم كما يغدر اللصوص العابرون. فليس ثمة قاتل أكثر غدرًا وسفالة وتعطشًا للدماء" (التوراة كتاب مقدَّس أم جمع من الأساطير ص 138).
فهل يمكن وصف يهود اليوم المحتلين لأرضنا العربية الإسلامية فلسطين، ومزارع شبعا في جنوب لبنان، والجولان في سوريا، إلا أنهم قطاع طرق لا ذمة لهم ولا عهد.، بعدما استأمنوا على أنفسهم في بلادنا، عندما كانوا يتعرضون للإضطهاد في أوروبا..
وإن كنا نرى ونشاهد عمليات اغتصاب المجندات الإسرائيليات من زملائهم في الخدمة، أثناء الحرب على غزة، أو ما شاهدناه من قيام جنود الاحتلال من اغتصاب "اسرى فلسطينيين" في سجونهم.. فقد وقع هذا أيضاً من أجدادهم، ولكن مع من؟
يقول الكتاب المقدس في سفر التكوين 49: "وَدَعَا يَعْقُوبُ بَنِيهِ وَقَالَ: «اجْتَمِعُوا لأُنْبِئَكُمْ بِمَا يُصِيبُكُمْ فِي آخِرِ الأَيَّامِ. 2اجْتَمِعُوا وَاسْمَعُوا يَا بَنِي يَعْقُوبَ، وَاصْغَوْا إِلَى إِسْرَائِيلَ أَبِيكُمْ: 3رَأُوبَيْنُ، أَنْتَ بِكْرِي، قُوَّتِي وَأَوَّلُ قُدْرَتِي، فَضْلُ الرِّفْعَةِ وَفَضْلُ الْعِزِّ. 4فَائِرًا كَالْمَاءِ لاَ تَتَفَضَّلُ، لأَنَّكَ صَعِدْتَ عَلَى مَضْجَعِ أَبِيكَ. حِينَئِذٍ دَنَّسْتَهُ. عَلَى فِرَاشِي صَعِدَ.
توضيح لهذا النص: (فقد حدث بعد موت راحيل زوجة يعقوب، أن رأوبين بكر يعقوب "ذهب واضطجع مع بلهة سرية أبيه" (تكوين 35: 22). وبلهة هذه تعتبر في درجة أمه، لأنها امرأة أبيه، وهي أم أخويه دان ونفتالي (تكوين 35: 25) يسجل الكتاب المقدس أن يعقوب سمع ما فعله رأوبين ولكنه لم يفعل شيئًا، ولم يؤدب رأوبين..!)
و إن كان "رأوبين" ذهب واضطجع مع بلهة سرية أبيه، فإن يهوذا ابن يعقوب زنى بـ "ثامار" (زوجة ابنه) كما في سفر التكوين 38: 6 ـ 26..
ويتابع يعقوب قائلاً: 5شِمْعُونُ وَلاَوِي أَخَوَانِ، آلاَتُ ظُلْمٍ سُيُوفُهُمَا. 6فِي مَجْلِسِهِمَا لاَ تَدْخُلُ نَفْسِي. بِمَجْمَعِهِمَا لاَ تَتَّحِدُ كَرَامَتِي. لأَنَّهُمَا فِي غَضَبِهِمَا قَتَلاَ إِنْسَانًا، وَفِي رِضَاهُمَا عَرْقَبَا ثَوْرًا. 7مَلْعُونٌ غَضَبُهُمَا فَإِنَّهُ شَدِيدٌ، وَسَخَطُهُمَا فَإِنَّهُ قَاسٍ".
وقد صدق يعقوب حين وصف ولديه بقوله: "شِمْعُونُ وَلاَوِي أَخَوَانِ، آلاَتُ ظُلْمٍ سُيُوفُهُمَا"
يقول القمص "تادرس يعقوب" في تفسير الكتاب المقدس سلسلة "من تفسير وتأملات الآباء الأولين":... "فإن شمعون ولاوي أخوان أي متشابهان في السمات، أخذا كل واحد سيفه وأتيا إلى مدينة شكيم حيث قتلا كل ذكر انتقامًا لأختهما دينة التي دنسها شكيم بن حمور الحوّي، فلم يراعيا العدل في انتقامهما. لقد تظاهرا بالهدوء واتفقا معًا على الشر وسببا تعبًا لأبيهما". وهذا ما قاله أيضاً القمص "أنطونيوس فكري" في تفسير هذه الآية..
وقال أيضاً القمص "أنطونيوس فكري" في شرح هذه الآية شمعون ولاوي: "رأوبين يمثل الفساد والشهوة. بينما شمعون ولاوي يمثلان القسوة والظلم".
أقول: ولو تمعنا في هذه النقولات، لرأينا يهود اليوم على خطى أجدادهم، فقد توارثوا الفساد، والشهوة، والرذيلة، والقسوة، والظلم، والقتل، والكذب، ونقض العهود.. و إن كنا قرأنا في كتب القوم عن هذه الصفات، فإنا عايشناها في عصرنا الحاضر، بعد احتلالهم لفلسطين ولبنان، وأجزاء من مصر وسوريا..
ولكن قبل أن أختم هذا المقال لا بد لي من التذكير، بأن ما سطره الكتاب المقدس بحق هذا النبي الكريم يعقوب عليه السلام، باطل، وكذب، وافتراء عليه، فكان يعقوب عليه السلام نبياً لقومه، وكان تقيا، وبشرت به الملائكة جده إبراهيم وزوجته سارة عليهما السلام " وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69) فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ (70) وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71) قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (سورة هود)
وهو النبي الذي خلّد الله وصيته وجده إبراهيم في القرآن الكريم، " وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ" (سورة البقرة)
إقرأ لنفس الكاتب: