• لبنان
  • الخميس, كانون الأول 26, 2024
  • اخر تحديث الساعة : 5:23:59 م
inner-page-banner
مقالات

يُطلق توصيف "التمسحة" شعبيًا على الشخص عديم الإحساس وقليل الكرامة و(الديوث) كذلك، عندما تكون ردّة فعله بليدة عديمة المشاعر الإنسانية على المواقف المفصلية التي تتطلّب منه التفاعل بكرامة أو أخذ موقف أو قول الحق، فالإنسان "المتمسح" لا يتفاعل إلاّ بما يخدم مصالحه ويحقق أهدافه فقط ولو كانت على حساب الآخرين، وحتى لو كان الحصول عليها مقابل الدماء وبيع الأوطان.

وأبرز ما يميّز المتمسح أنه يستمتع بالعبودية، فهو عبد للمال والكرسي قبل أن يكون عبدًا للأشخاص "أولياء نعمته"، فهو رخيص جدًا وله ثمن فقط لا قيمة، ويتبع كل من يدفع له أكثر، فهو كالعملة المعدنية التي تتنقّل بين جيوب الناس..

وسبب استخدام هذه التسمية "التمسحلوجيا" يعود إلى تشارك هؤلاء البشر مع التماسيح ببعض الصفات، حيث يشتهر عن التمساح مثلاً بأنه يتقن التنكّر والاختفاء، ويستطيع تغيير خلايا جلده بسرية مطلقة، كما يُعرف عنه بأنه منافق من الدرجة الأولى تمامًا كما تناقلت الأساطير عن دموعه الزائفة "دموع التماسيح"، ويمضي التمساح قسمًا كبيرًا من وقته في المجاري، ويتقاطع بهذه الصفات مع الإنسان المتمسح، ومن هنا جاء التوصيف.

(التمسحلوجيا) ثقافة عربية قديمة حديثة، ولكنها تنامت بعد "طوفان الأقصى" المجيد بشكل ملحوظ، حيث يتحول المتثاقف من خلالها إلى تمساح على هيئة إنسان، وهي تخصص لا يحتاج الإنسان أن يتعلمه في المدارس والجامعات، وللحصول على هذه الشهادة يكفي للمهتم أن يبيع دينه وضميره ووطنه وعرضه ويتجرّد من إنسانيته ويتنكّر لكل المبادىء والأخلاق، ولعل أبرز المطالب للحصول على شهادة "التمسحلوجيا" في الوقت الراهن هو تبنّي شعار (فلسطين ليست قضيتي) وشتم الشعب الفلسطيني، ومهاجمة المقاومة، والاعتماد على شيوخ البلاط في إعلان فتاوي تحرّم الجهاد في فلسطين، وتحريم المقاطعة، ومنع كل ما يخدم المقاومة في فلسطين لتحريرها، بمعنى آخر الدخول في الصهينة فكرًا وعقيدة، وتبنّي نهجها ورواياتها وخدمتها بكل إخلاص، ومهاجمة الإسلام والمسلمين، واعتماد الدين الجديد الذي تحدده قواعد الصهيونية، وقبول كل ما تقوم به من تغيير المناهج وإضعاف اللغة العربية والعبث بكل القيم العربية، ونشر الفواحش وغير ذلك الكثير مما يهدم بنية المجتمع العربي ويخدم العدو الأزلي وصهاينته من كل الأديان والحنسيات.

ولا تقتصر "التمسحلوجيا" على فئة محددة في المجتمع أو عمر محدد، فقد يتبنّاها دكتور في الجامعة مع التلميذ، والكاتب مع ميكانيكي السيارات، والطبيب مع عامل النظافة، والموظف مع العاطل عن العمل، والمفتي مع الملحد، فلا يغرّكم الشهادات ولا تشفقوا على الأميّة، ولا يفتنكم اللسان المعسول ولا يغشكم إطالته بالشتائم، فكل شخص متثاقف بالتمسحلوجيا بإمكانه ممارستها ونشرها والتبجّح بها كلٌ حسب تخصصه وموقعه ومجال عمله، وما خدم هذه الفئة "المتمسحة" هو وسائل التواصل الاجتماعي كافة، حيث تُفرد لهم كل منابرها لنشر تمسحتهم وثقافتهم الرديئة، فيمارس الإنسان من خلالها كل شيء إلاّ الإنسانية.

وأبرز ما يجسّد ثقافة (التمسحلوجيا) هو مشاهدة إبادة شعب غزة على الهواء مباشرة دون أن يرفّ لهم جفن، وبدلاً من مهاجمة العدو المتسبّب بذلك يتم مهاجمة الضحايا وكل من يدافع عنهم وعن المقاومة.

وما تتطلبه ثقافة التمسحلوجيا كذلك، هو عدم الاكتراث بعدد الشهداء والإبادة الجماعية والدماء العربية، واعتياد مشهد المجازر، وفي المقابل، تأجيج الرأي العام بقضايا سخيفة ومفتعلة وتأجير الأقلام والعقول إن تأذّى أسيادهم أو إن أُصيب العملاء مثلهم بأيّ أذى، فهنا يحولونها لقضية رأي عام تستدعي التحرك الفوري وربما العربي والدولي، وفي ذات الوقت لا يتحرك لهم ساكن إن فاق عدد شهداء أبناء جلدتهم مئة ألف شهيد.

وللمزيد من المعرفة عن هذه الثقافة ومتثاقفيها لا يتطلب ذلك منكم سوى لفّة سريعة في التطبيقات وصفنة صامتة في المساحات التي تجمع هؤلاء (المتمسحين) معًا، حينها ستعرفوهم فورًا عند أول نهيق، ولا داعٍ لإكمال حديثهم؛ لأنّ تكملة "المحفوظات" ستصبح معروفة لديكم لفرط تكرارها وانتشارها، وتستعر التمسحلوجيا ويزيد نباح أتباعها كلما زاد نصر المقاومة في الميدان أو عند الحديث عن التفاوض مع العدو، وذلك للضغط على الحاضنة الشعبية ومحاولة تجييشها ضد مقاومي الاحتلال لتحرير فلسطين، وبذل كل الجهود لافتعال حرب أهلية في غزة لتسهيل دخول أسيادهم على دبابات الكيان والشيطان، ولكن في كل مرة يتمسحون بها ينقلب السحر عليهم ويخسرون الجولة ليعيدوا تمسحتهم في قضية جديدة أو افتعال خرافة جديدة.

طوفان الأقصى هو أمر ربّاني وسنّة كونية تخص المؤمنين، ومن الصعب جدًا على العبيد والمتثاقفين من فئة "التمسحلوجيا" استيعابها، وستبقى فلسطين قضية الشرفاء ولا متّسع بها سوى للأحرار فقط.

المجد للمقاومة

(بقلم د. عصمت حوسو / نقلاً عن صفحة د. أيسر)

بوابة صيدا

الكاتب

بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..

مدونات ذات صلة