• لبنان
  • الأحد, أيلول 08, 2024
  • اخر تحديث الساعة : 5:48:00 ص
inner-page-banner
مقالات

 إسرائيل تنتقم من تضاريسها وأَسْرِ جندييْن على تخومها قبل 18 عاماً.. عيتا الشعب المنكوبة..كأنها المتراس الأول

كامل جابر ـ الراي

... في يومٍ من حربِ الـ 33 يوماً في يوليو 2006، خَرَقَ الصوتُ الهادرُ للفنان اللبناني القدير رفيق علي أحمد «جدارَ الصوت»، حين دوّتْ مناجاتُه لـ عيتا الشعب وأخواتها في جنوب الجنوب: «عيتااااااااااااا، إيه عيتاااااااا، يا أمّ العزّ، طمّنينا على هالشعب». شدّ على يدِها وأوْدعها رسائلَ حبٍّ لـ مارون (الراس)، الخيام، مروحين، مركبا، رب ثلاثين، بنت جبيل، عيناتا، الحجير، الغندورية، صريفا، الطيبة، قانا، ديركيفا، النبطية... يومها، كما اليوم، كانت عيتا الشعب كـ «المتراسِ الأوّل» والسياجِ الأوّل والكمينِ الأوّل، تأخذ بصدرها «حصةَ الأسد» من عدوانية إسرائيل وشهيّتها المفتوحة على الدم والدمار، وتُقاوِمُ صابرةً كحائط السد، فاستمرّتْ في الـ 2006 عصيةً على الاحتلال، وها هي الآن كأنها غزة في دمارها الرهيب، ولكن في استحالة قضْمها أو هضْمها أو تحطيم إرداتها.

قبل 18 عاماً، برز اسم عيتا الشعب الحدودية في قضاء بنت جبيل بعدما نفّذ «حزب الله» هجومَه الشهير بتاريخ 12 يوليو من «خلة وردة» عند الأطراف الجنوبية للبلدة مستهدفاً دورية إسرائيلية بين زرعيت وشتولا خلف الأسلاك الشائكة التي تفصل الحدود اللبنانية - الإسرائيلية في الجليل الأعلى، وقام بأسر جندييْن تبين لاحقاً أنهما قُتلا في العملية إلى جانب ثلاثة آخرين من عناصر الدورية الإسرائيلية التي هاجمها «المقاومون» وثلاثة من الدوريات المُسانِدة. وحينها خاضتْ إسرائيل حرباً مدمّرة استمرّتْ 33 يوماً على لبنان بأسْره، وكانت عيتا والقرى المجاورة، وخصوصاً رامية والقوزح ودبل، مسرحاً للقصف المكثف الجوي والمدفعي الذي أعقبتْه محاولاتُ تقدُّمٍ إسرائيلية لاحتلال «عيتا»، فصدّها أبناؤها وعناصر «حزب الله» بشراسةٍ ومنعوا احتلال البلدة أو السيطرة عليها، لكن الإسرائيليين أمعنوا فيها تدميراً وخراباً أصابا نحو 50 في المئة من مبانيها، قبل أن تعاود دولة قطر لاحقاً إعمار ما تهدّم.

500 غارة

ومنذ اندلاع المواجهات على الحدود اللبنانية الجنوبية في الثامن من أكتوبر الماضي، عادت عيتا الشعب إلى الواجهة، بعدما حوّلها الجيش الإسرائيلي هدفاً دائماً لقصفٍ بالمدفعية الثقيلة والقذائف الفوسفورية وبغاراتٍ من الطائرات الحربية والمسيّرات وبشكل يومي، حتى تجاوز عدد الغارات عليها خلال تسعة أشهر من المعارك 500 أدت إلى تدمير أكثر من 70 في المئة من بيوتاتها وحاراتها ومَتاجرها وحقولها الزراعية ومزارعها وأحراجها، وإلى نزوحٍ جميع أبنائها الذين يُقدرون بنحو 13 ألف نسمة.

وتسأل «الراي» رئيس بلدية عيتا الشعب محمد سرور عن «سرّ» تركيز الإسرائيليين في استهدافاتهم اليومية على عيتا الشعب، فيقول: «عيتا الشعب كجغرافيا، أي تضاريس وموقع، تحجب عن مواقع العدو كشْفَ كثيرٍ من المناطق التي تجاورها في الجهة اللبنانية. فمواقعهم (الإسرائيليون) وعيتا الشعب على المستوى نفسه من الارتفاع، إذ تقع عيتا على تل يرتفع بين 600 و700 متر عن سطح البحر، وجميع جوانب البلدة، وخصوصاً من الجهة الغربية والقبلية (الجنوبية) تتألف من مساحات كاملة من الأحراج التي تحجب عن مواقع العدو رؤيةَ ما يحوط بعيتا وجوارها، ناهيك عن الأحراج بينها وبين جارتها دبل، وهو ما يعتبره العدو بمثابة برميل بارود مخفي».

شرارة حرب 2006

ويضيف سرور: «ولا ننسى أنه من عيتا الشعب في 2006 جرى خطْف الجنديين الإسرائيليين وتحديداً من خلّة وردة، هذه المنطقة التي توازي وتجاور الطريق الحدودية من جهة فلسطين المحتلة وعلى تماسٍ معها. وعلى الرغم من وجود موقعيْن قريبيْن مرتفعيْن وكبيريْن للاحتلال، أحدهما في رامية ولا يبعد أكثر من 200 متر عن مكان المواجهة، والآخَر وهو الحدب القريب من موقع للجيش اللبناني في عيتا، إلا أن هذين الموقعين لم يعرفا بالعملية إلا بعد مرور ساعة من حصولها». ويشير إلى أن الإسرائيليين و«كي يكشفوا المنطقة رفعوا قبل فترة كاميرا على طريقهم خلْف الأسلاك الشائكة التي تفصل بين حدود عيتا وفلسطين المحتلة، مُواجِهة لبركة تجميعِ مياهٍ أنشأناها في خلّة وردة، وذلك كي يعاينوا ما يمكن أن يحصل في خلّة وردة وحولها». ويتابع سرور: «نضيف إلى كل ذلك أن شبابَنا لديهم عزة وكرامة ويرفضون هذا العدو. نحن ملدوغون منه، وهذا ليس وليد الأم، أو بسبب المقاومة الإسلامية كما يدّعون، إذ كانت إسرائيل تستبيح الأرض والناس وتخطف وتقتل، وأتوا (جنودها) مرةً وقتلوا سبعة من عناصر الجيش اللبناني كانوا في النقطة الحدودية في عيتا الشعب».

معركة عيتا 1975

مع اندلاع الحرب الأهلية في لبنان العام 1975 انحسرتْ سلطةُ الدولة اللبنانية في مناطق الأطراف. وفي 25 مايو 1975 حاول الإسرائيليون اقتحام عيتا الشعب واشتبكوا لساعاتٍ مع نقطة الجيش اللبناني الموجودة في البلدة ما أدّى إلى استشهاد سبعة عسكريين، بينهم ثلاثة من الطلاب الاحتياط. وحصلت اعتداءاتٌ أخرى في العام نفسه، بينها قصفُ منطقة صور، ومحاولةُ إقامة مراكز ثابتة على طريق مرجعيون صدّها الجيش اللبناني في حينه. آنذاك، استغلّ الإسرائيليون الأزمةَ اللبنانية الحاصلة بشكل علني ومباشر، فأنشأوا ما سمّي بـ «الجدار الطيّب» (هي تسمية إسرائيلية لنقطة حدودية تقع بين كفركلا ومستوطنة المطلّة). وتمّ افتتاح بوابته في نهاية 1975 وشكّلت نقطةَ عبورِ الآلاف من الأيدي العاملة اللبنانية إلى سوق العمل الإسرائيلية، واستخدمها الإسرائيلون إعلامياً للتضليل والزعم بأنهم يقدّمون مساعدات إنسانية لسكان جنوب لبنان ممن حالت الحرب الأهلية من دون مواصلة علاقاتهم مع المناطق اللبنانية الأخرى.

ويقول سرور: «لقد تمكّن عناصر الجيش في حينه، من تكبيد المهاجمين خسائر فادحة، وسقط لهم قائد الكتيبة المهاجمة وعديد من الجرحى، رغم قلة السلاح ومحدوديته مع عناصر نقطة الجيش في بلدتنا الذين لم يَنْجُ منهم غير واحد فقط». ويضيف: «لنتكلم بصراحة، هذا المواطن يقبع ويسكن على الحدود منذ ما قبل 1948. الجيش أهلُنا وأولادنا، لكن لا يوجد جيش كافٍ لحماية نفسه وحمايتنا. مَن كان يتسلّم مفاصل الدولة اللبنانية منذ 1943 وحتى 1975، لماذ لم يعملوا على تسليح الجيش اللبناني كي يحمي أرضه وأهله في الجنوب؟ نحن في النهاية نريد حماية أنفسنا من عدوٍّ غاشمٍ ظالم. نحن لم يتحقّق الأمن لنا في بيوتاتنا إلّا بعد العام 2000، عام التحرير، وهذا بفضل المقاومة التي حققت التوازن والردع، وشبابنا لن ينسوا اعتداءات العدو وظلمه لبلدتنا وأهلنا وهمجية إسرائيل».

خراب ودمار وشهداء

نسأله عن الخراب والدمار الذي حلّ بالبلدة منذ اندلاع الحرب غداة «طوفان الأقصى»، وإذا كان فاقَ ما حصل في حرب 2006، فيقول: «بالنسبة للخراب، هذه الحرب سبّبت دماراً كبيراً في عيتا الشعب، لكن الواضح والذي يمكن لنا معاينته من خلال العبور على الطريق العامة من حدود رميش إلى حدود رامية، حتى القوزح (جارات عيتا)، هذا الخط العام، يمكن أن نعتبر أن ما نسبته 80 إلى 85 في المئة مدمّر كلياً، والأبنية الباقية برسْم الهدم، لأنّها متصدّعة وغير صالحة». ويشير إلى أنه «لا يمكن إحصاء الأضرار النهائية مع خلوّ البلدة من سكانها، ومن دون مَسْحٍ أو كَشْفٍ ميداني. فهناك أماكن تُدَمِّرُها الغارات ولا نستطيع الوصول إليها ومعاينتها أو الوقوف على خسائرها. وفي أطراف البلدة، ثمة أحياء باتت مدمّرة لكن لا يجرؤ أحد على الوصول إليها إذ إن المسيَّرات والطائرات تغير على كل حركة في عيتا. وقد خسرنا العديد من المدنيين أثناء تفقُّد بيوتاتهم أو حاراتهم. وحتى اليوم، سقط لنا 19 شهيداً من عيتا الشعب».

13 ألف نازح

يؤكد رئيس بلدية عيتا الشعب محمد سرور، «أن نحو 13 ألف مواطن أو أكثر يقطنون في عيتا الشعب صيفاً وشتاء، وجلّهم من المزارعين، نزحوا بشكل تام عن البلدة ولم يَبْقَ فيها أحدٌ، خصوصاً بعد استهداف كل حركة فيها. وهؤلاء تَوَزَّعوا في القرى المجاورة أو في مدينة صور وحولها، ولا يمكن لنا الوصول إلى البلدة إلا أثناء تشييع الشهداء أو الموتى من أبنائها». أكثر من ثلاثة آلاف وحدة سكنية ومتجر باتت في حكم المدمّرة المنهارة أو المتصدّعة أو المتضررة، بعدما سقطت عليها آلاف القذائف والصواريخ من أعيرة مختلفة وكبيرة على مدى تسعة أشهر متتالية، إلى ثلاث محطات وقود ومعصرة زيتون ومَتاجر كبيرة للمواد الغذائية والبضائع المختلفة. تضاف إليها خسائر زراعية جمة، منها مواسم الزيتون والزيت وتربية النحل، والعديد من مزارع الماشية والأبقار والدواجن. وفي عيتا يشتغل أكثر من 800 مزارع في مواسم التبغ التي تُنْتِج ما يفوق 10 آلاف طرد تُسلّم سنوياً إلى «الريجي» ما يشكل دخلاً جيداً يضاف إلى مزروعاتٍ موسمية ودائمة تعيل أبناءها وتعلّم أولادهم. علماً أن عيتا تُعتبر الثالثة في الجنوب في إنتاج التبغ بعد عيترون ورميش. وقد ركّز الإسرائيليون كذلك على قصف الأحراج والغابات التي تزنّر عيتا الشعب بالقذائف الحارقة والفوسفورية، ما أدى إلى احتراق مئات الدونمات من أشجار السنديان والملول والصنوبر والغار. وتُنْتِجُ عيتا زيت الغار إذ تُعتبر من أكثر المناطق اللبنانية زراعةً لأشجار الغار.

عيتا... يا أم العزّ

في عيتا الشعب، يدوّي صمتٌ لا يخرقه إلا صوتُ القصف والغارات التي تطول البلدة أو الجوار الحدودي، جنباً إلى جنب مع صدى صرخةِ رفيق علي أحمد قبل 18 عاماً والذي ما زال يتردّد في الدساكر المهجورة والأحراج المتفحّمة والسفوح المهشّمة: «عيتاااااااااااااا إيه عيتا، يا أمّ العزّ»...

بوابة صيدا

الكاتب

بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..

مدونات ذات صلة