نشرت مجلة “بوليتيكو” تقريرا أعدته كبيرة مراسلي الشؤون الخارجية للمجلة، ناحال توسي، قالت فيه إنه من المفترض أن تكون الأمم المتحدة منتدى دوليا للتشاور والتعاون والتوافق. إلا أن الرئيس دونالد ترامب وجه رسالة مختلفة إلى أكثر من 190 دولة عضوا: “افعلوا ما أقوله لكم”.
الهجرة؟ أغلقوا حدودكم.
أزمة المناخ؟ انسوا أمرها.
النفط الروسي؟ توقفوا عن شرائه.
وأشارت إلى أن الرئيس الأمريكي أصدر هذه التصريحات شديدة اللهجة، التي بدت أحيانا وكأنها أوامر، يوم الثلاثاء في خطابه أمام الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة، وهو أول خطاب من نوعه في ولايته الثانية. ولم يموه كلماته.
وذكرت أنه قال خلال خطابه: “أنا بارع جدا في هذه الأمور. بلدانكم ستذهب إلى الجحيم”.
وقالت المجلة إن ترامب أشار من ناحية أخرى وفي إشارة لا علاقة لها بتغير المناخ، إن أمريكا “أكثر دول العالم حرارة، ولا يوجد بلد آخر يصل إلى مستواها”، وعلقت قائلة إن هذا الكلام لم يثر استحسانا.
كما أشارت إلى أن مسؤولا من أمريكا اللاتينية، لم تفصح عن هويته كغيره ممن شاهدوا خطاب ترامب، حيث وصف الأمر بلطف، قائلا: “كان الرجل الذي يدير أنجح شركة يخبر الرؤساء التنفيذيين الآخرين بما يجب عليهم فعله لجعل شركاتهم أكثر نجاحا. لكن الأمر لم يكن: سأُنشئ إطارا دوليا جديدا لتعزيز هذا لصالح الجميع، بل كان أشبه بالأمر متروك لك'”.
وقالت كاتبة المقال إنها استمعت إلى كل خطاب ألقاه ترامب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. وكان هذا الخطاب الأكثر جنونا حتى الآن. وربما كان أيضا فرصة ضائعة لرئيس الولايات المتحدة لتسخير الأمم المتحدة لتحقيق مآرب شخصية.
وأكدت أن ترامب استرسل في الكلام بشكل غير عادي، حتى بعد إصلاح جهاز التلقين المعطل. فقد أطلق عددا مذهلا من الأكاذيب، حتى بالنسبة له، مثل التلميح إلى أن لندن تتجه نحو تبني الشريعة الإسلامية. وناقض نفسه، مدعيا، على سبيل المثال، أن البصمة الكربونية لا تهم، بينما اشتكى أيضا من تلوث الهواء في بعض المناطق.
ومع ذلك، فقد قرأ ترامب بعض السطور التي بدت أشبه بخطاب متوقع من رئيس أمريكي إلى الهيئة العالمية. أعلن أن إدارته ستقود مبادرة لمحاولة الحد من وجود الأسلحة البيولوجية، ودعا “جميع الدول للانضمام إلينا”، كما قالت.
واستدركت قائلة بأن ذلك كان استثناء. فبشكل عام، لم يقدم ترامب أي رؤية عالمية شاملة وموحدة (كانت إدارته قد وعدت بفلسفة صريحة وواضحة للعالم).
فلم يكن لدى ترامب سوى كلمات قليلة لطيفة لإغراء الدول باتباع نهج أمريكا في معالجة المشاكل العابرة للحدود. بدلا من ذلك، تمسك بجوهره القومي، متنمرا على الدول المجتمعة، وطالبا منها وساخرا منها.
وأشارت إلى أن الرئيس الأمريكي، الذي بدا مسترخيا وكأنه يستمتع بوقته، استغل هذه اللحظة للسخرية من خلل الأمم المتحدة، ولم يكن الأمر متعلقا فقط بخلل في السلم الكهربائي.
وقال: “كل ما يفعلونه، على ما يبدو، هو كتابة رسائل شديدة اللهجة ثم لا يتابعونها. إنها كلمات جوفاء، والكلام الأجوف لا يحل الحروب”.
وعلقت كاتبة المقال على كلام ترامب بقولها إنها تشعر بأقصى درجات السخرية عندما يتعلق الأمر بالأمم المتحدة، لكن تصريحات ترامب أظهرت سوء فهم للهيئة العالمية.
وبينت أن الهيئة هي عبارة عن منتدى، منبر، للدول الأعضاء لحل مشاكلها. وعندما يعجز أعضاؤها الرئيسيون -وتحديدا الولايات المتحدة وروسيا والصين- عن تجاوز خلافاتهم، فإن الأمم المتحدة لا تجدي نفعا.
وأوضحت أنه إذا أراد ترامب للأمم المتحدة أن تعمل بشكل أفضل، فبإمكانه المساعدة في تحقيق ذلك. لكنه بدلا من ذلك، لا يكتفي بالتصرف كما لو أن الولايات المتحدة ليس لها دور، بل اتخذ خطوات، منها حجب التمويل، مما قد يضعف هذه المؤسسة متعددة الأطراف.
وقالت إن بعض المسؤولين الأجانب وصفوا خطاب ترامب يوم الثلاثاء بأنه غير مستنير في أحسن الأحوال، وغير مثمر في أسوئها.
واشتكى أحد المسؤولين الأوروبيين في رسالة نصية بالقول: “إنه يقول أشياء غير صحيحة”، وأكدت الكاتبة بأن هذا الشخص ليس جديدا في هذا العمل. وأوضحت بأن المسؤول جادل، على سبيل المثال، بأن ترامب تصرف كما لو أن أوروبا لم تفعل شيئا لكبح جماح روسيا ضد أوكرانيا عندما فرضت عقوبات صارمة على الكرملين، وقللت من اعتمادها على الطاقة الروسية، وأنفقت مليارات الدولارات لدعم كييف.
وأنه بينما اتخذت عدة دول أوروبية إجراءات صارمة ضد الهجرة، صور ترامب القارة وكأنها تحت رحمة “غزاة” خارجيين، وحث الدول على حماية “تراثها”.
وأشارت إلى أن ترامب قال في تعليق جانبي: “في سويسرا، سويسرا الجميلة، 72% من نزلاء السجون هم من خارج سويسرا”، في إشارة إلى رقم أكثر تعقيدا مما يصرح به.
وبينت أن خطاب ترامب سلط الضوء على اهتمامه بالشأن المحلي. في بعض الأحيان، بدا ترامب وكأنه في إحدى تجمعات حملته الانتخابية. لقد بالغ في الحديث عن إنجازاته المحلية لدرجة أن تطبيق النسخ الصوتية الخاص لديها يعطي صورة أنه نسخة تلقائية: “خطاب حالة الأمة”.
وقالت إنها لم تشعر أن كلمات ترامب ستدفع أيا من زملائه رؤساء الدول إلى تغيير رأيهم بشأن قضايا جوهرية مثل علم تغير المناخ. ربما كان ليكون أكثر إقناعا على جبهات أخرى لو صرح بوضوح أكبر بأنه يفهم أن الدول الأخرى لا تعرف مصالحها دائما بنفس مصالح أمريكا.
وأشارت إلى أن المسؤول اللاتيني قال إن الخطاب يؤكد، من نواح عديدة، الشعور السائد في الأوساط الدبلوماسية بأن نهج ترامب تجاه العالم سيظل “مجرد ذبذبات لا حقائق”.
وعلقت على ذلك بالقول إن من الطبيعي أن تتغير هذه الذبذبات في غضون دقيقة، أو ساعة، أو حتى في خطاب واحد.
فترامب نفسه الذي قال إن الدول المجتمعة أمامه “ستذهب إلى الجحيم” اختتم خطابه قائلا: “يمثل كل قائد في هذه القاعة الجميلة اليوم ثقافة غنية، وتاريخا نبيلا، وإرثا عريقا يجعل كل دولة عظيمة وفريدة، لا مثيل لها في تاريخ البشرية أو في أي مكان آخر على وجه الأرض”.
وقالت إن بعض المسؤولين الأجانب أخبروها أنه على الرغم من عدم دهشتهم التامة من خطاب ترامب، إلا أن قلقهم بشأن مسار الولايات المتحدة والعالم خلال السنوات الثلاث المقبلة قد ازداد حدة الآن. وقال المسؤول الأوروبي: “سيتحمل العالم ذلك، لأنه لا خيار أمامه”. وعندما سألت الكاتبة: “لكن على دولكم حمايتكم، أليس كذلك؟” أجاب: “نعم”. ولكن من خلال عدم اختيار القتال”.
(القدس العربي)