ماريانا الخوري ـ نداء الوطن
تتكرر الهواجس التربوية في كل عام دراسي في لبنان، لكنّها هذا العام أكثر عمقاً وحدّة. فبين الزيادات المتوقعة على الأقساط، والضغوطات المالية التي تثقل كاهل الأهالي، تتقدم تساؤلات مشروعة: هل الإنصاف للمعلم يجب أن يُترجم مباشرة في فواتير مضاعفة تُرسل إلى أولياء الأمور؟ وهل البيئة القانونية والرقابية الحالية كفيلة بوقف أي استغلال قد تمارسه بعض الإدارات تحت شعار "الظروف الصعبة"؟ تدخل المدارس الخاصة في اختبار جديد، اختبار التوازن بين الإنصاف والاستنزاف.
سُلَّم تصاعدي لمواكبة الانهيار
الأمين العام للمدارس الكاثوليكية في لبنان، الأب يوسف نصر أوضح لـ "نداء الوطن" أن الأقساط المدرسية للعام الدراسي 2025-2026 ستشهد زيادات تدريجية، وليست عشوائية بل تأتي في إطار خطة تصاعدية بدأت منذ العام 2022، لمواكبة تداعيات الانهيار الاقتصادي ودعم الكادر التعليمي.
أضاف: "ابتداءً من عام 2022، اعتمدنا خطة دعم تصاعدية للمعلمين والمعلمات، بعد الانهيار الكبير الذي طال الرواتب والأجور. قررنا إنشاء صندوق دعم خاص وبدأنا بتقديم مبالغ مقطوعة بالدولار، ثم قمنا بمضاعفتها وصولاً إلى 35 %، ومع بداية هذا العام أقرّينا معدلات دعم جديدة تختلف حسب إمكانات كل مدرسة".
مصير القانون المثير للجدل
أوضح الأب نصر أن القانون الذي صدر في 15 كانون الأول 2023، والذي أثار جدلاً واسعاً، فرض على المدارس اقتطاع 8 % من المساعدات، وفرض اقتطاعاً إضافياً عن الأساتذة المتقاعدين، ما تسبب بصدمة في القطاع التربوي الخاص. وتم تعليق تنفيذه لاحقاً، من ثم، وبحسب ما ورد من الأمين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكية، فقد تم استرداده من المجلس النيابي إلى مجلس الوزراء برئاسة الرئيس نواف سلام، ونُشر القانون لاحقاً.
قدّم الرئيس جوزاف عون طعناً أمام المجلس الدستوري، الذي بدوره قبل المراجعة وأبطل تنفيذ هذا القانون لأسباب تتعلق بالإجراءات الدستورية التي لم تُراعَ في نشره. وبالتالي، فإن هذا القانون لا يُعتبر نافذاً بعد، وهو بحاجة إلى آلية دستورية جديدة تضمن احترام المواقع الدستورية كافة.
وتابع الأب نصر قائلاً: "كنا قد توافقنا مع النائب الياس بو صعب على تعديلات جوهرية أربعة حتى يصبح قابلاً للتطبيق، وهي: أولاً، حذف عبارة "المساعدة"بالدولار، ثانياً، تقاسم نسبة الاقتطاع 6 % على المعلم و6 % على المدرسة على كامل الراتب، ثالثاً، البدء بتنفيذ القانون في 1 تشرين الأول 2025، ورابعاً، إعفاء الأستاذ المتعاقد من الدفع لصندوق التعويضات، على أن تبقى مسؤوليته منوطة بالمدرسة".
إنّ تطبيق القانون يعني كلفة إضافية على الأقساط، من المتوقع أن تتراوح بين 5% و8%، لأنه يفرض التصريح عن كامل الأجر الإضافي الذي يتقاضاه المعلم تعويضاً عن تدهور راتبه.
لا توحيد للأقساط والتعويضات حالياً
يشدد الأب نصر على أن توحيد التعويضات لا يمكن تحقيقه دون إقرار سلسلة رتب ورواتب موحّدة، مشيراً إلى الحاجة لسلسلة جديدة تسوي بين رواتب المعلمين في مختلف المدارس، لأن كل مدرسة اليوم تقدم ما تستطيع، وهذا يُحدث تفاوتاً كبيراً. وفي الوقت نفسه، هناك مطالب من نقابة المعلمين التي ترفع السقف سنوياً في نهاية كل عام دراسي، وفي المقابل هناك صرخة الأهالي الذين يعانون أوضاعاً مالية صعبة.
أزمة مالية أم تشريعية؟
ما بين هذه المقاربات "التصاعدية" التي تنتهجها المدارس، وبين القوانين المعلّقة والتعديلات التي لا تزال بحاجة لمسار دستوري جديد، يظهر بوضوح أن أزمة التعليم الخاص ليست فقط مالية بل بنيوية وتشريعية أيضاً. فلا لامركزية القرارات داخل المؤسسات التعليمية سمحت بتوحيد الحد الأدنى من الحقوق، ولا التشريعات الحديثة استطاعت أن تحظى بالإجماع وتدخل حيّز التطبيق بسلاسة.
الأهالي بدورهم، ما عاد لديهم رفاهية الانتظار أو التفاوض. فكل سنة دراسية باتت كلفةً إضافية على حساب أمنهم الغذائي والصحي والمعيشي، والرسائل النصية التي ترسلها بعض المدارس معلنة نوايا الزيادة، تُقرأ من قبل الأهل كتهديد أكثر منها كتحذير، في ظل غياب إطار موحد يحكم العلاقة الثلاثية بين الإدارة والأهل والمعلّم.
لا زيادات قبل قطع الحساب
تؤكد رئيسة لجان الأهل في المدارس الخاصة، لمى الطويل لـ "نداء الوطن"، أنه من المفترض أن يقوم رئيس الجمهورية بإعادة نشر القانون بصيغته المعدّلة، والتي باتت تتضمن آليات جديدة لضبط الأقساط، أبرزها: براءة ذمة مالية، تدقيق مالي، محاسبة مالية، وقطع حساب، بالإضافة إلى نظام محاسبي لم تكن المدارس الخاصة تطبقه سابقاً.
أضافت الطويل: "الموازنات المدرسية لم تعد مفتوحة كما في السابق، فالتلويح بزيادة الأقساط الذي تعتمده إدارات بعض المدارس نهاية كل عام لم يعد ممكناً قبل إجراء قطع الحساب. فإذا تبين أن المدرسة متعثرة مالياً، عندها فقط يحق لها المطالبة بزيادة، أما إذا لم تُثبت العجز، فلا يحق لها فرض أي زيادات".
لبنان اليوم في مرحلة إصلاح وتطبيق للقانون، ولم يعد بإمكان المدارس التصرف بعشوائية. كل دولار يُجبى يجب أن يُدرج في الموازنة، وتتم مراقبته من قبل لجان الأهل، فضلاً عن الرقابة المفروضة من مصلحة التعليم الخاص.
وختمت الطويل قائلة: "على كل ولي أمر يتعرض لتهديد أو تلميح بزيادة الأقساط، أن يتوجه مباشرة إلى اتحاد المؤسسات التربوية لعرض القضية ومحاسبة المخالفين".
ما بين تعديلات قانونية لم تكتمل بعد، وخطابات تطمينية من إدارات المدارس، وضغوط معيشية، تبدو السنة الدراسية المقبلة محمّلة بتحديات غير مسبوقة. فالمعادلة لم تعد فقط بين "حقوق المعلم" و"قدرة الأهل"، بل باتت ترتبط بمستقبل التعليم الخاص نفسه في لبنان. فهل تنجح المؤسسات الرسمية في ضبط الإيقاع، وتوحيد المعايير، وحماية الشفافية المالية؟ أم سنكون مجدداً أمام موسم دراسي جديد، حيث يُترك الأهل وحدهم في مواجهة الغلاء، وتُعلّق الحلول على حبال الموازنات؟