د. صريح صالح القاز ـ بوابة صيدا
حين تُقدِم اليمن، أو أيُّ دولةٍ عربية - إن وُجدت - على نُصرة غزة باستهداف أيٍّ من الأهداف الإسرائيلية، سواء كانت عسكريةً أم مدنية، فإن أيًّا من المؤسسات والمواقع الإسرائيلية، أياً كانت، ليست أغلى من الدماء التي تُراق على مدار الساعة في قطاع غزة.
وإنّ هذا الإسناد لا يمكن اعتباره عبثًا أو وصفه بالترف، بل هو فعلٌ مشروع وحقٌّ طبيعي، يندرج ضمن إطار الدفاع عن النفس والهوية، ونُصرة المظلوم، وفقًا لما أمرت به شريعة السماء، وما أقرّته معاهدة الدفاع العربي المشترك.
فكيف لهذا الكيان الإسرائيلي أن يستمرئ المجازر الجماعية والحصار الجائر بحق شعب غزة، وبخاصة الأطفال الذين يتوالى موتهم جرّاء سوء التغذية، ويُكرّر الإعلان عن نيّته في إبادتهم وتهجيرهم؟!
وكيف له أن يواصل عربدته على طول وعرض لبنان وسوريا، مدعومًا بأقوى دعم عسكري ولوجستي وسياسي من أميركا وغيرها، وغير ملتزم بأيٍّ من المقرّرات والمواثيق الدولية ذات الصلة، في الوقت الذي لا يريد فيه لأيٍّ من هذه الأمة والعالم أن يُجابهه أو أن ينهض لمقاومة انتهاكاته وجرائمه؟!
إن كان هذا الكيان الاستيطاني الطارئ على فلسطين والمنطقة يُبرّر جرائمه بحقّه في الحياة والوجود، فيجب عليه أن يُدرك أن شعب فلسطين، كشعبٍ أصيلٍ متجذّر، أحقّ بالحياة والوجود منه، وأولى بالبقاء على هذه الأرض.
أما إذا كان يعتقد، من خلال تقييماته الضحلة، أن الأمر قد أصبح تحت السيطرة وفي متناول اليد، وأن المقاومة الفلسطينية والدول العربية قد باتت عاجزة عن مجابهته إلى أجلٍ غير مسمّى، فإنه واهم.
لأن المقاومة فكرة والفكرة لن تموت بل تتناسل، والأمة العربية لا يجوز اختزالها في أولئك الذين خضعوا وأعلنوا خنوعهم فقط، بل هي أمةٌ مليئة بالملايين ممن لا تزال الحمية والنخوة العربية تجري في عروقهم مجرى الدم؛ أولئك الذين يريدون الحياة، كما قال الله تعالى: "وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان" [النساء: 75]،
وكما قال الشاعر العربي:
"فإمّا حياةٌ تسرّ الصديقَ
وإمّا مماتٌ يغيظ العِدا."
لذا، فإن مسألة إسناد غزة وشعب فلسطين، التي يقوم بها اليمن، لا يمكن اعتبارها من فروض الكفاية، بل هي من فروض العين التي لا يجوز تأخيرها أو التردّد في القيام بها، خاصةً بعد أن بلغ الصمت والخذلان والتواطؤ العربي والدولي حدًّا مريبًا ومخزيًا.
فلو سلّمنا جدلًا بمنطق بعض الدول أو الجهات العربية التي تقول: "يحزننا ما يجري في غزة، لكن لا يمكن أن نتدخل، لأن ضررًا من نوعٍ ما سيلحق بنا من قِبل إسرائيل ككيان انتهازيٍّ وحشيٍّ، وأميركا كدولةٍ عظمى ما زالت تتحكّم بالنظام الدولي إلى حدٍّ كبير"،
فهل يُستساغ هذا المنطق؟
وإذا ما قالت هذه الدولة "لا علاقة لي"، وغيرها قالت الشيء نفسه، فمن إذن سينصر غزة التي تباد إذا كان هذا هو منطق الدول العربية التي هي الأقرب إليها؟!
حتى بات هذا الكيان يتعربد بالإنسان والجغرافيا العربية كما يشاء، ومتى يشاء، وكأنّ المنطقة بمن فيها باتت رهينةً في قبضته.
أما عندما يُقدِم الكيان الإسرائيلي على استهداف الأعيان المدنية، كميناء الحديدة ومصنع إسمنت باجل، فذلك هو العدوان بعينه، والإفلاس الأخلاقي ذاته، الذي لا يختلف عمّا يرتكبه بحق أبناء غزة لأنه، قبل غيره، يعرف أن الإسناد اليمني ما هو إلا تداعيات ونتيجة لما اقترفته يداه، في فلسطين وهو وحده مَن يستطيع إيقاف هذه التطورات لو أراد. فإيقاف الفظائع في غزة يُغني عن ارتكاب نظيراتها في اليمن، وعن السفر الشاق لارتكابها هناك.
لكن على نتنياهو وحكومته المتطرفة أن يُدركوا جيدًا: أنّه كلّما أوغلوا في الإجرام، كلّما اشتعلت ضدهم نيران الانتقام. وكلّما استباحوا الدماء، كلّما اقتربوا من ساعة انقسامهم وانهيارهم.
وإن غدًا لناظره قريب.
بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..