بديعة النعيمي ـ بوابة صيدا
منذ أن تعرف العالم على "بنيامين نتنياهو" عن قرب بعد السابع من أكتوبر 2023 عبر الشاشات، عرف معه أن الحديث عن الحقيقة أمر بعيد المنال.
فها هو يعود اليوم بعد العام والنصف من حربه الهمجية على غزة، ليحدثنا بوجه لا يمتلك ملامح عن زيارته إلى قواته في رفح مؤكدا... "أنهم قتلوا 12 ألف مقاتل ولم يصب مدني واحد".
وكأن عصابات هذا النتن اجتاحت مدينة لا يسكنها طفل ولا تعبر في طرقاتها امرأة ولا تسكنها سوى الفصائل الفلسطينية التي لطالما نسب هو ودولته على مر عقود الاحتلال لها صفة الإرهاب أو التخريب.
ونتنياهو لم يأت اليوم بالجديد ولم يخترع هو هذه العجلة، بل إنه يسير على خطى آبائه المؤسسين، أولئك الذين اعتبروا أن الأكاذيب جزء أساسي من بناء أسطورة "الدولة النقية". ولا أدل على ذلك من مناشير "بن غوريون" في الأربعينيات من القرن الماضي حين كان يعد الفلسطينيين بأن عصاباته لن تمسهم ولن تمس قراهم إذا هم سلموا، ولكن الحقيقة أنه لم تمض أيام حتى غابت القرى خلف الغبار والنار، وتحولت الوعود إلى ركام كنا غاب معظم سكانها في مجازر يندى لها الجبين.
وموشيه ديان، الذي وقف ذات يوم يبرر قصفه لبلدات فلسطينية كاملة بأنه "يلاحق الإرهابيين"، نسي أن يذكر أن الإرهابيين لم يكونوا سوى أطفالا يمارسون فعل الطفولة في أزقة بلداتهم ونساء يمارسن دور الأمهات.
والتاريخ في حضرة المشروع الصهيوني الإحلالي لا يكذب وحده، ففي كل مرة كانت آلة القتل تدك بيوت أصحاب الأرض الشرعيين أو مساجدهم أو تحرق محاصيلهم، كان المتحدث باسم الصهيونية يبادر بإعلان بطولي نصه "ضربنا أوكار الإرهاب". ولم يكن أحد يسأل أين ذهبت البيوت ولا سكانها،وكل بيت يُهدم كان يُعتبر انتصارا.
نتنياهو اليوم عندما أطلق كذبته تلك، تخيل أن العالم ما زال يبتلع هذه الروايات البالية، غير مدرك أن الزمن الذي كانت فيه الأكاذيب تُرسل عبر البرقيات قد انتهى، وأن مقاطع الفيديو الحية وشهادات الناجين تسبق تصريحاته الكاذبة، وتفضحه وهو لا يزال يرتب كلماته المنمقة خلف مكتبه. ومع ذلك فهو يتمسك بالرواية ذاتها، وكأنه يعتقد أن التكرار سينجح في تحويل الخرافة إلى حقيقة.
في الخمسينيات، حين كان "أرييل شارون" يشرف على مجازر القرى الحدودية، أصر هو الآخر على أنه لم يُقتل إلا "مخربون مسلحون". وقتها كان العالم لا يملك إلا أن يصدق الرواية الصهيونية، خاصة مع الدعاية الإعلامية الضخمة التي كانت تغطي على الحقائق بذريعة "الأمن القومي". والفرق الوحيد أن الكاميرات لم تكن موجودة كما اليوم، وكانت الضحية وقتها تُقتل مرتين، مرة بالرصاص، ومرة بالكذب.
نتنياهو هو الوريث الشرعي للكذب، بدل أن يخجل من كذبه، صار يتفنن به. يبتسم أحيانا أمام عدسات الإعلام ابتسامة صفراء ويحرك يديه في الهواء كبهلوان اعتاد هذه الحركة، ويعلن أن جيشه لا يخطئ ولا يقتل الأبرياء فيحرقهم مع خيامهم أو يدفنهم مع ركام بيوتهم، وأن كل الدماء التي سالت على تراب غزة ما هي إلا خداع بصري أو سراب. لكنه نسي أن الأرقام تفضحه، فإذا كان قد قُتل 12 ألف مقاتل كما يزعم، فلماذا لم يجد جيشه جثمان شهيد واحد بحوزته بندقية؟ وكيف تحولت أحياء سكنية كاملة إلى أنقاض فوق ساكنيها إذا كان القتال يدور مع مقاتلين فقط كما يدعي؟ أم أن المقاتلين باتوا في عالمه الافتراضي على هيئة أطفال ونساء؟
ولكن "نتنياهو" ليس إلا نسخة محدثة من الإرهابي الكاذب "بن غوريون"، لكنها نسخة أكثر جرأة وأقل موهبة في الإقناع. وبينما كان أسلافه يحتالون ببعض البراعة، جاء احتياله بكثير من الغباء والرعونة حتى أن احتياله عكس عن الكثير من عدم النضج السياسي وأنه لا يصلح لمنصبه.
وسيظل التاريخ يضحك، و "نتنياهو" يكذب في رقعة تحت الشمس إلى أن يهوي بدولته المزعومة نحو الزوال.
بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..