بديعة النعيمي ـ بوابة صيدا
لم تكن الحرب النفسية يوما غريبة عن أدوات الاحتلال الصهيوني في تعامله مع شعبنا الفلسطيني، بل إنها لطالما شكلت جزء مركزيا من استراتيجيته القمعية، خاصة داخل السجون.
واليوم، تعود مشاهد هذه الحرب بوجه أكثر بشاعة مع قيام مصلحة السجون الصهيونية بتعليق صورة للدمار الهمجي الذي ألحقته آلتهم الحربية الجبانة بقطاع غزة على جدران السجون، كتب عليها عبارة "غزة الجديدة" ويظهر الأسرى وهم مكبلي الأيدي ويجلسون على الأرض أمام تلك الصورة، في مشهد يعيدنا إلى صفحات سوداء في تاريخ إدارة السجون.
هذه الخطوة التي وصفها البعض بـ"غير المسبوقة" ليست في الحقيقة سوى امتداد لسياسات قديمة لطالما استخدمها الاحتلال لتدمير الروح المعنوية للأسرى، وتجريدهم من الأمل والثبات.
وتعليق الصور التي توثق مشاهد الخراب في غزة أمام الأسرى، وخاصة أولئك الذين شاركوا في عمليات المقاومة في السابع من أكتوبر/٢٠٢٣ ليس إلا وسيلة من وسائل الإذلال النفسي المقصودة.
فحين يرى الأسير الدمار الذي لحق بأهله وأرضه ومدينته، يجتمع عليه قيد السجن وقيد العجز ، والهدف من هذا الفعل الإجرامي، أن يشعر الأسير أن المقاومة لا تأتي على أهلها إلا بالدمار والقتل.
وهذه الأساليب القذرة ليست بالجديدة كما ذكرنا، فمنذ بدايات الاحتلال وإدارة السجون تستخدم الصور والعبارات وغيرها من الأدوات للتأثير على نفسية الأسير.
فخلال انتفاضة ١٩٨٧ وانتفاضة ٢٠٠٠، كانت إدارة السجون تعرض على الأسرى مشاهد يظهر خلالها قمع التظاهرات بأشد الطرق والأساليب أو هدم منازل ذويهم.
كما وكانت تُستخدم هذه المشاهد خلال التحقيق معهم كوسائل ضغط نفسي تُضاف إلى التعذيب الجسدي.
وقد تم توثيق عدد من الشهادات عن غرف تحقيق وُضعت فيها صور لمنازل عائلات الأسرى مدمّرة أو تحت التهديد، في محاولة لتفتيت صلابتهم وكسر إرادتهم.
وعودا إلى الصورة آنفة الذكر، لا يسعنا إلا أن نقول أن هذا الفعل المشين يأتي من قبل إدارة السجون في وقت يعيش فيه الفلسطينيون وخاصة في قطاع غزة، واحدة من أقسى مراحلهم التاريخية، حيث يتعرض القطاع لأبشع أنواع التدمير والقتل الجماعي والحصار والتجويع والنزوح المتكرر، في ظل صمت دولي وعربي مخز.
وتستغل دولة الاحتلال بكل وقاحة وصلافة هذا الواقع لتضرب الفلسطيني من الداخل، بدءا من أضعف حلقاته، أي الأسرى في سجونها والذين يتجاوز عددهم العشرة آلاف، من بينهم مئات الأطفال والنساء والمرضى.
وتعليق مثل هذه الصور لهو انعكاس لفكر استعماري يعتبر الفلسطيني عدوا حتى وهو خلف القضبان، ويستحق المزيد من القمع حتى في أقسى ظروفه.
إنها رسالة متعمدة ترسلها دولة الشتات للأسير، كأنها تقول له من خلالها...
"نحن نستولي على أرضك، وندمر شعبك، ونسجنك، وأنت هنا عاجز لا تملك من أمرك شيئا."
لكن ما تغفله هذه السياسة، أن الأسرى الفلسطينيين هم في طليعة المقاومة، وأن الوعي الذي يحملونه لا يتفتت أمام صور الدمار والقتل، بل يتحول في كثير من الأحيان إلى وقود للثبات والصمود.
ومن المعروف على مر تاريخ الأسرى بأنهم حولوا السجون إلى مدارس نضال، وعلموا الأجيال كيف يحفظون الهوية حتى من خلف القضبان.
إن ما تفعله دولة الاحتلال المزعومةاليوم هو استكمال لمشروعها الاستعماري الذي لم ينجح طوال أكثر من سبعة عقود في كسر إرادة الفلسطيني. وهذه الصور، مهما كانت مؤلمة، ستبقى شاهدة على الجريمة، وستتحول من أداة قمع إلى دليل إدانة في ذاكرة التاريخ.
بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..