بديعة النعيمي ـ بوابة صيدا
بثت القناة 14 العبرية صورة تحمل عنوان "فُتِحت أبواب الجحيم في غزة".
ما حملته هذه العبارة ليس مجرد رسالة إعلامية عابرة، بل هي بيان صريح يكشف عن نهج أيديولوجي عميق الجذور في الوعي الصهيوني، يعكس استعلاء دمويا ونزعة تدميرية تستند إلى مبدأ الإبادة المعنوية والمادية للشعب الفلسطيني.
وهذا الخطاب ليس جديدا، بل يندرج في سياق تاريخي طويل من الشيطنة والتجريد من الإنسانية، ابتدأ منذ 48 ولا يزال مستمرا حتى اليوم.
إن تصوير العدوان على غزة بهذه العبارات الملتهبة يحمل دلالة مزدوجة؛ فهو من جهة يحاول التسويق للعمل العسكري كعمل "مقدس"، ومن جهة أخرى هو تعبير عن سادية فكرية ترى في الدم الفلسطيني وقودا لتحقيق ما يسمى ب "الأمن القومي"، وفق منطق الأمن من جانب واحد لا يعترف بحقوق الآخر.
"أبواب الجحيم"، ليست توصيفا لحالة الصراع، بل تعبير عن رغبة محمومة في تحويل غزة إلى نموذج للعقاب الجماعي. وخطاب كهذا، حين يصدر عن مؤسسة إعلامية رسمية أو قريبة من اليمين السياسي المتطرف، ينسجم تماما مع سياسات حكومات الاحتلال المتوالية والتي ترى في غزة كيانا يجب احتواؤه بالنار، لا بالحوار، هو امتداد لخطاب "بن غوريون" حين قال إن "الكبار سيموتون والصغار سينسون"، وهو إعادة إنتاج لسياسات "آرييل شارون" الذي لم ير في القطاع إلا "قنبلة ديموغرافية موقوتة يجب تفكيكها".
منذ الانتفاضة الأولى وحتى حرب 2008 ثم الحروب المتعاقبة في 2014، وحتى حرب 2021 وغزة كانت دوما ساحة لتجريب الذخائر والأسلحة، ومسرحا لإرسال رسائل سياسية عبر الدم والركام.
ولعل أكثر ما يثير الغضب أن هذا التوصيف المتوحش، الذي يربط غزة بالجحيم، لا يصدر في الفراغ، بل يجد من يصفق له، ويجده مقبولا بل ومبررا في عيون جزء كبير من الجمهور اليهودي الذي تربى على أن الفلسطيني هو التهديد الذي يهدد وجوده. فالفلسطيني في هذا الخطاب، هو "الإرهابي" الذي لا يستحق الحياة، بل الحصار والتجويع ثم القصف والإبادة.
لكن ما يغيب عن هذا الخطاب، عن قصد أو جهل، هو أن غزة، رغم الحصار والدمار، لم ولن تنكسر. فمن رحم النكبة خرجت المقاومة، ومن قلب المخيمات خرجت الانتفاضات، ومن تحت الأنقاض تخرج الحياة كل مرة بشكل أعند. هذا هو الجحيم الحقيقي بالنسبة لمن أراد لغزة أن تكون هشيما.
إن الصورة التي بثتها القناة 14 تمثل قمة التحريض وخطاب الكراهية، وهي جريمة أخلاقية يجب أن تُدان، لا أن تمر مرور الكرام. وعلى الاعلام الحر، وعلى الضمير العالمي، أن يتوقف عن الكيل بمكيالين، وأن يرى في كل قطرة دم فلسطيني مرآة لعجزه وتخاذله، لا مجرد خبر عاجل يُستهلك وينسى.
وحين يفتح الاحتلال "أبواب الجحيم" في غزة، فإنه يفتح أبواب التاريخ أيضا على مصراعيها، ليعيد كتابة الرواية من جديد، ولكن هذه المرة بدم الشهداء، وصمود شعب لا يعرف الانكسار.
بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..