• لبنان
  • السبت, نيسان 19, 2025
  • اخر تحديث الساعة : 12:10:56 م
inner-page-banner
الأخبار

محكمة رومية... في مواجهة عدالة معلّقة

طوني كرم ـ نداء الوطن

في بلدٍ تحوّل فيه السجن إلى حكم مؤبد بلا محاكمة، وتحوّلت العدالة إلى أداة انتقائية، يعود المشهد الرسمي مجدداً إلى تكرار المحاولة ذاتها: تفعيل المحكمة داخل سجن رومية المركزي. خطوة أُريد تسويقها على أنها إصلاح جذري لأزمة السجون والاكتظاظ فيها، لكن في الواقع، ما هي إلا قفزة في الفراغ.

قاعة فارغة بملايين الدولارات

المحكمة داخل رومية ليست أكثر من قاعة محاكمة شُيّدت بمواصفات دولية وكلفة وصلت إلى 2.5 مليون دولار من أموال دافعي الضرائب الأوروبيين، تحت شعار محاكمة موقوفي «فتح الإسلام». لكن بعد أكثر من عقد، لم تُستخدم إلّا في جلسات لا تتعدى أصابع اليد. واليوم، يعود استخدامها كواجهة إعلامية لتغطية الإخفاق المستمر في معالجة أزمة اكتظاظ السجون وتأخير المحاكمات، حيث يستضيف سجن رومية أكثر من 3400 سجين في سجن لا يتّسع لأكثر من 1050.

ووفق مصادر حقوقية لـ«نداء الوطن»، فإن مشكلة المحكمة في رومية ليست في تفعيلها، بل في مضمونها القانوني. فمحاكم الجنايات موزعة على مراكز المحافظات بموجب القانون. وبالتالي، لا يمكن إحالة ملفات من محاكم الشمال أو البقاع إلى محكمة رومية من دون تعديل تشريعي واضح، ما يجعل تفعيل عملها صالحاً فقط لجزء من قضايا محكمة جنايات جبل لبنان، من دون أن يشمل الموقوفين في باقي المحافظات وكافة مراكز التوقيف الأخرى.

ورأت المصادر أن أي حديث عن قدرة محكمة رومية على حلّ معضلة الاكتظاظ الشامل في السجون هو تضليل صريح. إذ أن الأزمة تتجاوز رومية إلى أكثر من 25 سجناً في لبنان، جميعها مكتظة، وبعض النظارات الأمنية تحوّلت إلى مراكز احتجاز دائم، في ظل ترهل لقصور العدل وموازنة هزيلة للسلطة القضائية لا تتعدى 1 % من إجمالي موازنة الدولة.

العدالة المؤجلة ليست عدالة

ولا تقتصر المطالب بتسريع المحاكمات على اعتبار أن الإشكالية تطال الأحكام الجائرة الصادرة سابقاً والتي لن تحلّ مع تسريع وانتظام عمل المحاكم راهناً، خصوصاً تلك التي صدرت في ظل هيمنة سياسية وأمنية واضحة من «حزب الله» على القضاء، كما حصل في ملفات عرسال، عبرا وخلدة، حيث اختلّت معايير المحاكمة العادلة، وغابت المساواة أمام القانون. بل إن أبرز مثال على انعدام التوازن القضائي تمثّل في أحداث خلدة، حيث اقتصر الادعاء على أفراد من الطائفة السنّية، بينما لم تُحرك الدعوى بحق عناصر «حزب الله» رغم الأدلة المصوّرة، قبل أن تعيد محكمة التمييز العسكرية برئاسة القاضي جون القزي مؤخراً تصويب بعض المظالم.

وفي السياق تساءلت مصادر حقوقية متابعة ما إذا كانت السلطة القضائية ستعيد فتح هذه الملفات، وتعمد إلى مراجعة الأحكام السياسية الصادرة بحق مئات السجناء؟ ووسط التشديد على عدم قدرتها على الشروع بذلك، لفتت إلى أن محكمة رومية لا تملك صلاحية المراجعة، ما يجعلها بعيدة كل البعد عن إنصاف مَن حوكموا ظلماً، سواء بسبب مواقفهم المؤيدة للثورة السورية، أو نتيجة انتماءاتهم الطائفية والسياسية.

تجميل الأزمة... لا حلّها

في الغضون، كشفت مصادر لـ«نداء الوطن» أن تفعيل المحكمة هو التفاف على مطلب العفو العام، الذي لا يلقى قبولاً من المؤسسة العسكرية وعدد من القوى السياسية رغم أن مسودة القانون المطروحة تستثني قتلة العسكريين وجرائم المجلس العدلي ولا تتحدث عن عفو شامل، بل عن عفو جزئي مدروس. ورأت أن الرفض السياسي ليس قانونياً بقدر ما هو مزايدة شعبوية وإمعان في استخدام ملف السجون كورقة ضغط. وسط الإشارة أيضاً إلى المحكمة العسكرية وصلاحياتها الإستثنائية التي تُدار غالبيتها من ضباط جيش من دون أيه خبرة في مجال المحاكم، مقارنة مع القاضي العدلي الذي يمضي سنوات في معهد الدروس القضائية، والمحاكم المدنية قبل تسلمه أي مركز جزائي حساس، علماً أن هذه المحكمة الاستثنائية كانت تُستخدم كأداة بوجه خصوم «المنظومة»، في قضايا تتجاوز منطق العدالة إلى منطق «غبّ الطلب».

لا عدالة بدون إصلاح قضائي

أزمة الاكتظاظ لن تُحل بتفعيل قاعة واحدة. والأزمة القضائية لن تُعالج بجلسات تجميلية داخل السجن. المطلوب وبغض النظر عن إقرار اقتراح قانون العفو الجزئي المطروح من عدمه، إصلاح شامل يبدأ بزيادة موازنة السلطة القضائية وتأهيل قصور العدل المتهالكة، وتعديل صلاحيات المحكمة العسكرية وحصرها بالعسكريين أسوة بجميع دول العالم، مروراً بتجربة المجلس العدلي وأحكامه غير القابلة للطعن وإعادة التوازن للعدالة من خلال إنصاف المسجونين، وفتح الباب لمراجعة أحكام صدرت في ظل ظروف سياسية ضاغطة.

بوابة صيدا

الكاتب

بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..

مدونات ذات صلة