يرى نبيه عواضة، المتخصص في الشؤون الإسرائيلية، أن "الأولويّة بالنسبة للإسرائيلي خلق ساحة بديلة مع انسداد الأفق لتحقيق الأهداف الإسرائيلية في غزة واستحالة الإقدام على عملية عسكرية كبيرة نحو رفح بسبب التباين مع أميركا ووجود وسطاء من قطر ومصر والخشية في شهر رمضان أن تؤدي لفتح معركة كبيرة".
وقال في حديث لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) "لجأ الجيش الإسرائيلي إلى اعتبار لبنان ساحة رئيسة؛ فالعمل العسكري في غزة أصبح محصورا بضربات محددة، في حين أنّ التعامل مع لبنان ارتفع في الميدان والموقف السياسي والمناورات العسكرية".
وأشار عواضة إلى أن "التصعيد في لبنان وغزة مرتبط بتكثيف الجهود الدبلوماسية لانتزاع مطالب معيّنة من المقاومة ليحقق الإسرائيلي نتائج سياسية... كلّ الزيارات التي يقوم بها آموس هوكشتاين، المبعوث الرئاسي الأميركي، والبعثات الأوروبية إلى لبنان تأتي في سياق تحقيق الهدف الإسرائيلي بإزالة التهديد (حزب الله)".
ويخشى عواضة أن يتحول هذا الموضوع إلى هجوم يكون أكبر من معركة وأقلّ من حرب "لأنّ الجيش الإسرائيلي يعرف أنّ الحرب مع لبنان ستكون مكلّفة على الصعيد الداخلي لديه، نظرا لترسانة الصواريخ التي يملُكها حزب الله والقادرة على منعه من تحقيق أهدافه".
وقال "نحن في أسابيع حاسمة فيما يتعلّق بلبنان، وكل الخيارات قائمة. يجب أن يكون هناك حذر؛ فالمواقف الإسرائيلية والمناورات العسكريّة تُنذر بتصعيد من قبلهم".
وقال عواضة "حزب الله يتعامل مع الموضوع بدقّة متناهية، بما لا يحوّل الأمور إلى المواجهة الكاملة ويوجّه تحذيرات للإسرائيلي بنوعيّة الأسلحة المستخدمة والمدى الجغرافي".
وأضاف "القصف الذي حصل بمئة صاروخ نحو الجولان قبل أيام، وهي المنطقة التي أجريت فيها المناورة التي تحاكي الهجوم على لبنان، هو رسالة بأننا يمكن أن نجهض خطواتكم في مهدها".
وأوضح أن "المقاومة تمتلك بنك أهداف لم تفصح عنها حتى الآن ولا تزال تناور بقدرات عسكريّة معينة لم تخرج عن الإطار التقليدي وهي عبر إطلاقها صواريخ دقيقة على مواقع محددة تقول من خلالها إنها تملك قدرات عسكرية وهذا ما شهدناه بإسقاط طائرة مسيرة بامتلاكها أنظمة دفاع جوي".
من جانبه، اعتبر الإعلامي والكاتب السياسيّ بشار اللقيس في حديث لوكالة أنباء العالم العربي أنّ حزب الله يعمل على ألّا يختلّ توازن الردع مع الجانب الإسرائيلي.
وقال إن "غرفة عمليات المقاومة جاهزة للمواجهة، وهي لا تريد جرّ لبنان لحرب حتى (لا) تعطي للإسرائيلي فرصة لنقل فشله إلينا".
وحول زيارات المبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين إلى لبنان، يعتبر اللقيس أنه "يهدد بكلامه؛ فإذا لم تعطوني وعدا بسحب مقاتلي حزب الله من الحدود نحو الداخل حتى ما قبل هدنة غزة، فلا ضمانات ألا يعتدي الجيش الإسرائيلي عليكم وأن يعدّها جبهة منفصلة تماما عن غزة".
وأشار اللقيس إلى أنه لا أفق يوحي بهدوء الأمور بشكل كلي إلا في حال الضغط الأميركي.
وقال "حزب الله يقول للجانب الأميركي أوقف الحرب في غزة ولكلّ حادث حديث؛ بمعنى، ليس لدينا مشكلة للنقاش بالخطوات التالية، والجانب الإسرائيلي يعلم أنّ إنهاء الحرب على غزة يعني تغير بنية النظام السياسي لديه وتثبيت أن منظومة الردع اهتزت بعد السابع من أكتوبر تشرين الأول، وهو ما لا يمكنهم تقبله".
أضاف اللقيس "نعيش أياما قتالية بوتيرة منخفضة، وهو ما يطرحه الإسرائيلي في مصطلحاته بأنها ليست معركة شاملة ولا تتطلب التدخّل البريّ، وما قد نشهده هو عملية جوية واسعة في لبنان تضرب المخازن الاستراتيجية للمقاومة واغتيال شخصيات فاعلة جنوب نهر الليطاني".
وتابع "يُمكن للجيش الإسرائيلي أن يقوم بهذا الأمر في الفترة المقبلة إذا لم تردعه أميركا؛ فما حدث للجيش الإسرائيلي هو فقدان التوازن".
وقال "المقاومة ربطت النزاع بين لبنان وما يحدث في غزة؛ وفي اللحظة التي يمكن أن يختلّ فيها توزان المقاومة في قطاع غزة حتما لن يبقى المشهد على ما هو عليه في جنوب لبنان".
وأشار إلى أنّ "المطروح حاليا إما أن تبقى الأمور بهذه الوتيرة في جنوب لبنان؛ أو الاحتمال الأكثر ورودا، أن الأعمال القتالية لن تبقى كما هي عليه، بل قد نشهد جولة أيام قتالية حتى يقول أحد الطرفين إن الكلمة الأخيرة هي له".
أضاف "النقاش في إسرائيل يدور حول سؤال هل نتعاطى مع حزب الله الآن بضربة جوية موسعة، أو بعد إنهائنا الحرب على غزة؟".
وأردف قائلا إنّ "مع الوقت يكتشفون (الإسرائيليون) أنهم لا يجب أن يتصرّفوا بمنطق رد الفعل على ما حدث معهم في أكتوبر تشرين الأول، وما هو تشير إليه المؤسسة العسكرية، في حين أنّ القرار السياسي ذاهب نحو التصعيد في لبنان ورفح".
ويرى اللقيس أنّ هذا المسار "قد يتبدل في حال تغيّر النظام السياسي في إسرائيل من خلال انتخابات مبكّرة وانفراط عقد الحكومة الحالية؛ ولكن إلى الآن، لم ندخل في هذه المرحلة. وحين نشهد هذا الأمر تكون أميركا قررت أن الأمر لها".
وقال اللقيس "العمل العسكري ليس معزولا عن الهدف السياسي؛ فهل حزب الله يضع اليوم هدفا بإعادة مشهد السابع من أكتوبر تشرين الأول ويدخل إلى الجليل؟ لا أعتقد أنّ الأمر يمكن اتخاذه في الوقت الحالي".
وتابع "ما شهدناه في عملية طوفان الأقصى أنّ إسرائيل أضعف مما كانت تقدم به نفسها وأنّ ما كان يتحدث به نصر الله عن دخول إسرائيل رأيناه أمامنا".
وأوضح أنّ "دخول الجليل (شمال إسرائيل) يُمكن أن نفكّر به في حال أقدمت إسرائيل على الدخول البرّي نحو لبنان؛ حينها يمكن أن يقابلها تجاوز للحدود باتجاهها من قبل حزب الله، ولكن هذا الأمر يعتمد على السقف السياسي للحرب".
ولفت اللقيس إلى أنّ أكبر تهديد بالنسبة للجيش الإسرائيلي هو رؤية "الجهاديتن الإسلاميتين، السنية (حركة حماس) والشيعية (حزب الله)، تتفقان على محاربته".
وأوضح أنّ الجانب الإسرائيلي سيعمل على إعادة الشرخ بين الطرفين أو بين الفصائل المسلّحة الجهاديّة السنيّة والشيعيّة؛ وقال "سنرى الكثير من هذا المشهد خلال الفترة المقبلة".
وتابع "لا يمكن المضي بمرحلة ما بعد السابع من أكتوبر تشرين الأول بتأجيل استحقاقات تراها إسرائيل وخصومها، وحتى حلفاؤها، بأنها باتت محقة؛ فالحلفاء يرون أنه آن الأوان لحل الصراع العربي الإسرائيلي والسير بالدولة الفلسطينية، في حين أن الجانب الإسرائيلي لا يريد الحديث عن خارطة طريق بحل القضية الفلسطينية، فما يريده هو حماية نفسه وأي نقاش يأتي من بعده".
(وكالة أنباء العالم العربي)