تحت عنوان: خمسة تواريخ رئيسية لفهم التوترات بين حزب الله وإسرائيل، قالت صحيفة ”لوموند” الفرنسية إنه بشكل أو بآخر، اعتماداً على الفترة التي شهدتها السنوات الأربعين الماضية، عادت التوترات بين حزب الله اللبناني والدولة الإسرائيلية إلى الاشتعال في الأشهر الأخيرة، بعد هجوم حماس في 7 أكتوبر/ تشرين الأول والحرب التي شنتها إسرائيل على غزة.
وقد تزايدات بشكل حاد في الأيام الأخيرة.. فبعد 48 ساعة من مقتل اثني عشر طفلاً درزياً جراء إطلاق صاروخ في 28 يوليو/تموز على مرتفعات الجولان التي ضمتها إسرائيل، نفذت الدولة العبرية “ضربة مستهدفة/موجهة” في ضواحي بيروت للقضاء على فؤاد شكر، أحد أبرز قادة الطائفة الدرزية. ورد فعل زعيم حزب الله، الذي توعد بـ“رد مدروس للغاية”، ويعتقد أنه “على مشارف معركة كبيرة”، يجعل بعض المراقبين يتخوفون من تصعيد إقليمي.
وعادت “لوموند” إلى الوراء للوقوف عند التواريخ الرئيسية للصراع بين إسرائيل وحزب الله، لفهم أفضل للعداوة بين الدولة العبرية والميليشيا الشيعية اللبنانية الموالية لإيران.
1982: الحرب في لبنان وتأسيس حزب الله
يرتبط تاريخ حزب الله ارتباطًا وثيقًا بالمقاومة المسلحة ضد إسرائيل. تم إنشاء الحركة الإسلامية الشيعية في يونيو 1982 كرد فعل على عملية “سلامة الجليل”، التي غزت خلالها الدولة العبرية لبنان في محاولة للقضاء على مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية الذين وجدوا ملجأ هناك منذ ستينيات القرن الماضي. وبدعم من نظام آية الله الخميني الإيراني، الذي يتخذه كنموذج، أعلن حزب الله في ميثاقه التأسيسي: “إن كفاحنا لن ينتهي إلا عندما يتم القضاء على هذا الكيان الإسرائيلي“. حتى قبل إنشاء الحركة، كان العديد من مؤسسيها منخرطين بالفعل في النضال ضد التدخل الإسرائيلي في لبنان.
وتزايدت الاشتباكات في جنوب لبنان منذ عام 1985، وهو التاريخ الذي أُعلن فيه رسمياً عن إنشاء حزب الله. وقام حسن نصر الله، الذي تولى قيادة الميليشيا بعد اغتيال عباس موسوي على يد إسرائيل (1992)، بتحويل قواته إلى حرب العصابات، مستهدفاً الجنود الإسرائيليين أو وكلاءهم من جيش لبنان الجنوبي (SLA)، وهي ميليشيا موالية لإسرائيل تتألف من الشيعة والمسيحيين اللبنانيين. وردت إسرائيل بهجمات مميتة، مثل عمليتي “المحاسبة” (1993) و“عناقيد الغضب” (1996)، التي أسفرت عن مقتل مئات اللبنانيين وتشريد أكثر من 500 ألف مدني في البلاد.
2000: انسحاب إسرائيل بعد اثنين وعشرين عاماً من احتلال جزء من لبنان
وتابعت “لوموند” التوضيح أنه في 25 مايو/أيار عام 2000، بعد عشرين عاماً من الاحتلال، انسحبت إسرائيل من جنوب لبنان، على وقع المطالب القوية من المجتمع الإسرائيلي بالانسحاب، والهزائم العديدة على الصعيدين البشري والعسكري. وبهذا الانسحاب تعترف إسرائيل بفشل تدخلها في لبنان وتقدم التكريس لحزب الله. ووصف حسن نصر الله “هذا اليوم بأنه انتصار تاريخي، هو الأول منذ بدء الصراع العربي الإسرائيلي قبل أكثر من خمسين عاما”. وتحدث عن “نهاية عصر الهزائم عند العرب، وبدء عصر الانتصارات بالنسبة لهم، أما بالنسبة للصهاينة فقد انتهى عصر الانتصارات المصطنعة وبدأ عصر الهزائم”، على حد قوله.
وكانت الفترة التي أعقبت الانسحاب أكثر سلمية بشكل عام، على الرغم من الهجمات المعزولة والتوغلات العرضية داخل الأراضي الإسرائيلية.. ودخلت الميليشيا اللعبة السياسية اللبنانية بانضمامها إلى الحكومة للمرة الأولى عام 2005. إلا أنها ترفض التخلي عن الكفاح المسلح ضد إسرائيل.
2006: أعنف حرب بين إسرائيل وحزب الله
وفي يوليو/تموز 2006، تصاعدت التوترات بين إسرائيل وحزب الله مرة أخرى. حيث دخلت الميليشيا اللبنانية أراضي الدولة العبرية واختطفت جنديين إسرائيليين، في هجوم برّره زعيم حزب الله حسن نصر بالرغبة في الحصول على ورقة مساومة بهدف إطلاق سراح السجناء.
وردت الدولة العبرية على الفور بغارات جوية وحصار جوي وبحري وغزو بري لجنوب لبنان. وتسبب القتال، في غضون ثلاثة وثلاثين يوماً فقط، في مقتل 1200 شخص في لبنان، غالبيتهم من المدنيين، وتشريد مليون شخص. وعلى الجانب الإسرائيلي، وصل عدد القتلى إلى 165، معظمهم من العسكريين، بالإضافة إلى 500 ألف نازح. ولم يسبق أن كانت الخسائر البشرية ثقيلة على الجانبين في مثل هذا الوقت القصير، توضح “لوموند”.
2012: استيراد الصراع إلى الحرب الأهلية السورية
وفي عام 2011، اندلعت حرب أهلية في سوريا بين الجيش الحاكم والجماعات المعارضة لنظام الرئيس بشار الأسد. في هذا الصراع الداخلي، وقف حزب الله خلف السلطة السورية ويصف الثورة بأنها “مؤامرة لتدمير التحالف مع الأسد ضد إسرائيل”.
ومن خلال سيطرته على العديد من القرى السورية والقتال إلى جانب الجيش السوري منذ البداية، فمن الواضح أن حزب الله شارك في الصراع. ولم يخف حسن نصر الله ذلك: ففي عام 2013، أكد أن حزب الله لا يمكن أن يسمح “بسقوط سوريا في أيدي الولايات المتحدة أو إسرائيل أو الجماعات التكفيرية”. وبعد دخول حزب الله إلى سوريا، أطلقت الجماعات المعارضة لنظام الأسد صواريخ على منطقة بيروت وطلبت من المقاتلين اللبنانيين مغادرة أراضيهم. وعلى الرغم من الموقف المحايد رسميًا، تدخلت إسرائيل أيضًا في هذه الحرب الأهلية، اعتبارًا من يناير/كانون الثاني عام 2013، من خلال استهداف المناطق التي يتواجد فيها حزب الله أثناء الغارات الجوية.
2024: تداعيات هجوم 7 أكتوبر 2023 والحرب الحالية في غزة
ومضت “لوموند” موضّحة أنه منذ عدة سنوات، اقتصرت المواجهات المباشرة بين حزب الله وإسرائيل على أعمال معزولة، حتى هجوم حماس على الأراضي الإسرائيلية في 7 أكتوبر 2023، والذي أسفر عن مقتل نحو 1200 شخص. ورداً على هذا الهجوم المباغت، قامت إسرائيل بقصف قطاع غزة في اليوم التالي. ودعماً لحماس، أطلقت الحركة الشيعية اللبنانية صواريخها الأولى على مزارع شبعا، وهي منطقة في جنوب لبنان ضمتها إسرائيل منذ عام 1967. ثم أرسل الجيش الإسرائيلي نيران المدفعية وضربات الطائرات بدون طيار إلى مواقع حزب الله في الجولان، المرتفعات التي تحتلها إسرائيل أيضًا.
وبحسب تقرير أعدته وكالة فرانس برس من مصادر مختلفة، خلفت أعمال العنف منذ 8 أكتوبر 2023 بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله ما لا يقل عن 527 قتيلا في لبنان، معظمهم من المقاتلين، و46 قتيلا في إسرائيل، نصفهم جنود. كما تم تهجير 160 ألف شخص على جانبي الحدود الإسرائيلية اللبنانية.
وإذا كان القتال قد اشتد بشكل خاص في الأشهر الأخيرة، فقد صدرت تهديدات أيضًا بين المعسكرين. ففي يونيو/حزيران 2024، أكد نائب زعيم حزب الله الشيخ نعيم قاسم أن أي توسع للصراع في لبنان من شأنه أن يسبب “دمارًا وتدميرًا وتهجيرًا” في إسرائيل. من جهته، وعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتحويل بيروت “إلى غزة” في حال نشوب حرب شاملة مع لبنان. فهل التصعيد الحالي للتوترات يجعل هذا السيناريو محتملا؟ تتساءل “لوموند”.
“القدس العربي”