(محمد وهبة ـ الأخبار)
في الأسبوع الماضي، عقد وزير الطاقة وليد فياض مؤتمراً صحافياً لتفنيد المزاعم التي حاول أن يروّج لها وزير الاقتصاد أمين سلام، بشأن العرض القطري - الفرنسي (قطر للطاقة بالشراكة مع توتال إينرجيز» لإنشاء معامل إنتاج الكهرباء في لبنان. ما قاله فياض، يوضح أن سلام حوّل «خبرية» متداولة عن معمل بقدرة 100 ميغاواط، ليصبح ثلاثة معامل بقدرة 450 ميغاواط. ما لم يقله فياض، أن سلام كان يقصد «التنمير» على رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي تلقّى العرض منذ 25 حزيران 2023، وأخفى مناقشاته مع التحالف القطري - الفرنسي لنحو عشرة أشهر، قبل أن يحيله إلى وزير الطاقة مشوباً بعيوب جوهرية تمنع تطبيقه.
عرض مباشر للخصخصة
في مطلع 2023، انطلقت النقاشات بين ممثلي تحالف «قطر للطاقة» - «توتال إينرجيز»، ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي لإنشاء معمل إنتاج كهرباء بواسطة الطاقة الشمسية بقدرة 100 ميغاواط. وفي نهاية حزيران من السنة نفسها، قدّم التحالف عرضاً رسمياً يقترح بموجبه «مواقع مناسبة» لإنشاء هذا المعمل في محافظة البقاع، وتحديداً في مقنة ورأس بعلبك. يومها ربط التحالف الأمر بضرورة إجراء دراسات جدوى تقنية للمواقع وتحديد ملكية الأراضي التي يحتاج إليها، على أن يتم اختيار موقع المعمل بعد التنسيق مع مؤسسة كهرباء لبنان والتأكّد من أنه مناسب لربطه على شبكة الكهرباء ولا سيما لجهة قربه من نقاط التوزيع ومحطات التحويل.
العرض يتضمن أن يكون التحالف مسؤولاً عن «التطوير والتمويل والتنفيذ والتشغيل والصيانة» على قاعدة «الإنشاء، التملك والتشغيل». وبناءً على ذلك، طلب تأمين دعم حكومي يتوزّع على ثلاث جهات:
- من وزارة الطاقة، والمركز اللبناني لحفظ الطاقة، لمناقشة الإطار القانوني لتأسيس المشروع وتنفيذه على المدى الطويل في إطار «اتفاق شراء الطاقة»، أي ما يشبه الاتفاقيات السابقة (قبل الأزمة) لمشروع إنتاج الكهرباء من الرياح في محافظة عكار (لم يُنفذ). بالإضافة إلى تأمين التوصل إلى اتفاق مع وزارة المال ومصرف لبنان في ما يتعلق بالتحويل المالي بالعملة الأجنبية إلى الخارج، والتأكد من أن الإيرادات ستكون بالدولار.
- أن تقوم مؤسسة كهرباء لبنان بتسهيل وتأمين وصل المعمل على الشبكة.
- أن تؤمّن السلطات المحلية للتحالف ما يلزم من تسهيلات لتأمين حصوله على التراخيص والأراضي المطلوبة للمباشرة بالمشروع.
وجاء العرض موقّعاً من الرئيس التنفيذي لقطر للطاقة سعد شريدة الكعبي، ومن الرئيس التنفيذي لشركة توتال إينرجيز باتريك بويانيه.
عندها دار نقاش بين ميقاتي والتحالف، انتهى برسالة ثانية وردت إلى ميقاتي في منتصف نيسان 2024 حين جدّد التحالف عرضه. مضمون الرسالة فيه الكثير من الكلام الدبلوماسي عن توجيه الشكر والامتنان للاهتمام الحكومي بالعرض في معرض تأكيد رغبته في متابعة النقاش ضمن إطار «اتفاق شراء الطاقة»، لمدّة 25 سنة التي سبق أن وقّع لبنان مثلها يوم قرّر الترخيص بإنشاء شركة إنتاج طاقة من الرياح في عكار. لكنّ التحالف كان يرغب أكثر في معرفة الإطار القانوني الذي يعمل في إطاره والإطار التجاري أيضاً، لذا أعاد تأكيد مطالبه وحصرها بثلاث مسائل:
- تأسيس إطار قانوني للتراخيص بين الحكومة والتحالف لتسريع التنفيذ ومعالجة مسألة الترخيص ولا سيما لجهة إمكانية تطبيق المشروع من خلال أحد التراخيص التي منحتها الحكومة في أيار 2022 بإنشاء معامل على الطاقة الشمسية بقدرة 15 ميغاواط. كما طلب التحالف معرفة قابلية العمل المصرفي بما فيه تأمين الضمانات المالية وضمان تحويل إيرادات المشروع إلى الخارج.
- تحديد ودراسة وتخصيص المواقع العامة التي تتلاءم مع المتطلبات التقنية والبيئية والاجتماعية لتمكين التحالف من تطوير وتنفيذ وتشغيل المشروع والاستمرار فيه بالتوازي مع الربط على الشبكة.
- تأمين كل التراخيص للحصول على الأرض المناسبة والتنفيذ. وهذا يتطلب الوصول إلى الموقع، وحقوق المرور من المشروع إلى الشبكة، وتراخيص من الحكومة والقوى المحلية.
تأكيد القدرة والاهتمام على تأمين هذه النقاط، فإن التحالف سيقوم بأقصى جهد ممكن لإنشاء وتطبيق المشروع بسرعة.
البحث عن الترخيص
إذاً، المسألة لا تتعلق بثلاثة معامل، بل بإنشاء معمل واحد بقدرة 100 ميغاواط ينتج الكهرباء بواسطة الشمس. لذا، فإن عبارة «تصويب البوصلة» التي اختارها سلام لانتقاد التأخّر في التنفيذ هي كلام سياسي من موقع رجل يرشّح نفسه لرئاسة الحكومة ويقدّم نفسه بديلاً من ميقاتي. لذا، بالغ سلام في تقديم المسألة باعتبارها خياراً أساسياً، بينما كان يمكنه أن يسلط الضوء على ممارسات ميقاتي تجاه التعامل مع هذه العروض.
طبعاً لا سلام ولا ميقاتي، يرغبان في رفض هذه العروض انطلاقاً من كونها خصخصة لحقوق إنتاج الكهرباء في لبنان. لكنّ فياض فنّد المشروع بشكل واضح انطلاقاً من كون التحالف يقدّم عرضاً هو أشبه بمواجهة «الحصار المالي المحلي والدولي» المفروض على لبنان، مشيراً إلى أن العرض هو عبارة عن «معمل إنتاج كهرباء بواسطة الطاقة الشمسية بقدرة 100 ميغاواط» على طريقة الـBOT أي «عقد شراكة بين القطاعين العام والخاص يسمح للقطاع الخاص للاستثمار ببناء معمل بقوة 100 ميغاواط ليبيع الطاقة المنتجة لمدة 25 سنة لشركة كهرباء لبنان عبر عقد لشراء الطاقة طويل الأمد مدته 25 سنة اسمه Power Purchase Agreement، وهو ليس هبة كما يزعمون وبكلفة صفر». كذلك قال إن إنشاء المعمل «يحتاج إلى أرض مساحتها مليون متر تقريباً».
كان لافتاً أن ميقاتي كان يتناقش مع تحالف «قطر للطاقة» - «توتال إنيرجيز» بشكل أحادي من دون أن يطّلع أحداً على ما يدور. لاحقاً تبيّن أن النقاش الفعلي، يتصل بمسألة الترخيص، إذ تبيّن أنه لا يمكن الترخيص حالياً لأي شركة بإنتاج الكهرباء من دون قانون في مجلس النواب. أما التراخيص التي مُنحت في الفترة السابقة لإنتاج الطاقة الكهربائية بواسطة الطاقة الشمسية، فكانت تستند إلى تفويض أعطاه مجلس النواب للحكومة بمنح التراخيص والأذونات اللازمة لإنتاج الكهرباء من الطاقة المتجدّدة لمدّة ستة أشهر بسبب غياب هيئة ناظمة للكهرباء. وسبق أن حصلت الحكومة على تفويض مماثل في نيسان 2014 لمدّة سنتين، ثم مُدّد العمل بهذا التفويض لمدّة سنتين إضافيتين في نهاية 2015، ومجدّداً مُدّد العمل به لمدة ثلاث سنوات انتهت في نيسان 2022. وهذا ما يجعل العرض غير قابل للصرف، فإما على التحالف أن يشتري رخصة ممنوحة من أصل الرخص التي منحها مجلس الوزراء في وقت سابق (CMA -CGM تملك رخصتين مثلاً)، وبالتالي عليه أن يقبل حدود الترخيص أو أن يسعى لتوسيعه من 15 ميغاواط إلى 100 ميغاواط، وإما عليه أن يقدّم عرضاً وينتظر صدور قانون في مجلس النواب يجيز الترخيص.
10 مليارات كيلواط ساعة في السنة هو حجم الطلب على الكهرباء في لبنان، وقد انخفض هذا الرقم إلى نحو 14 مليار كيلواط ساعة في السنة بعد رفع الدعم عن المحروقات والكهرباء، وتؤمّن مولّدات الأحياء الخاصّة نحو 6 مليارات كيلواط ساعة من الطلب الإجمالي الآن
1.2 مليار دولار هو حجم الوفر الذي سيشهده الميزان التجاري في لبنان في حال تشغيل معامل الكهرباء التابعة لكهرباء لبنان بأقصى طاقاتها وذلك بسبب الفرق في كلفة إنتاج الكهرباء بين المعامل ومولّدات الأحياء
7200 هو عدد مولّدات الكهرباء التي تعمل في لبنان بحسب ما قاله وزير الاقتصاد أمين سلام