بقلم مدير المركز اللبناني للابحاث والاستشارات.. حسان القطب..
الهجوم الجوي الايراني على اسرائيل، جاء بعد فترة من التجاذبات، والنقاشات، كما التساؤلات حول ما اذا سوف ترد ايران ام لا..على الغارة الجوية الاسرائيلية على القنصلية الايرانية في دمشق والتي اودت بحياة عدد من الجنرالات الايرانيين من قادة الحرس الثوري الايراني كما لما يحمله الهجوم من تجاوز للاعراف الدبلوماسية بقصف مقر القنصلية الايرانية في دمشق وهي تعتبر ارض ايرانية..الضغط الاميركي، كما الاسرائيلي على ايران، من خلال التحذير والتنبيه من مخاطر الرد العسكري سواء مباشرةً من ايران او عبر ادواتها او ما تطلق عليه (قوى محور المقاومة).. كان عاملاً استفزازياً مقصوداً يضع ايران امام خيارين:
الرد المباشر على الاستهداف الاسرائيلي، بقصف اهداف اسرائيلية او مصالح اسرائيلية خارج الكيان.. ولكن قد يؤدي الى الدخول في حربٍ مفتوحة مع اسرائيل والولايات المتحدة وحلفاء اسرائيل والولايات المتحدة اعلنت صراحةً انها لن تقف مكتوفة الايدي بل ستكون الى جانب اسرائيل في اية مواجهة.. وهذا ما لا تريده طهران ابداً..
عدم الرد الايراني والاكتفاء بالتحذير واختلاق مبررات او مصطلحات تفيد بالقدرة على الرد لكن دون ممارسة هذا الحق.. (الصبر الاستراتيجي).. عدم (الوقوع في فخ الاستدراج الاسرائيلي).. وغيرها من المصطلحات والمفردات .. سوف يجعل من ايران موضع سخرية وقدراتها موقع تساؤل.. هل هي قادرة اما لا.. وبالتالي سوف تخسر مصداقيتها.. والالتفاف حولها من قبل انصارها ومن يؤمن بمشروعها ودورها ومستقبل قيادتها لهذا المحور الذي يراهن على دورها الاقليمي وقدراتها العسكرية التي تتطور باستمرار...
لذلك كان لزاماً على ايران ان تمارس حق الرد ولكن بطريقة لا تقود او تؤدي الى اشعال حربٍ مفتوحة.. بل تكون اقرب الى ابلاغ رسالة لاسرائيل بانها قادرة على الرد، وقادرة على خوض مواجهة عسكرية مباشرة دون الحاجة الى الاعتماد على ادواتها وقدرات حلفائها في المنطقة والدول المجاورة.. ولاثبات انها قوة اقليمية فاعلة..
كيف نقرأ المشهد والتداعيات...
ايرانياً:
الرد الايراني كان مدروساً بحيث يكون رداً على عدوان اسرائيل على القنصلية الايرانية في دمشق فقط، وليس انخراطاً في الحرب الى جانب غزة، التي اندلعت منذ اكثر من سبعة اشهر.. اي منذ السابع من اوكتوبر العام الماضي.. ولا زالت..
الاعلان الرسمي عن اطلاق المسيرات والصواريخ قبل ان تصل الى اهدافها، مما يفيد بأن العملية محدودة وليست حرباً مفتوحة..واكدت ايران هذا حين اعلنت ان العملية انتهت وان اي رد اسرائيلي سوف يواجه بدفعة صاروخية جديدة..
عملية الاطلاق هذه واستخدام انواع متعددة من المقذوفات، كشف قدرات ايران العسكرية بعيدة المدى بشكل عملي، في مواجهة حقيقية وليس من خلال مراقبة مناورات عسكرية تحمل طابع استعراضي.. وهذا سمح لاسرائيل كما لدول الغرب بدراسة هذه القدرات والامكانيات..وبالتالي تطوير انظمتها الدفاعية..لمواجهة الآلة العسكرية الايرانية بفعالية افضل..
اسرائيل وحلفائها استطاعوا تدمير معظم المقذوفات التي اطلقتها ايران، مما يعني ان النظام الدفاعي لدى هذه الدول متقدم ومتطور، وقادر على التعامل مع هجمات من هذا النوع.. ولكن لو كان الهجوم هذا من قبل دول التحالف واسرائيل على ايران.. هل تمتلك ايران القدرة على صد هذه الهجمات..
لقد اكدت ايران انها تمتلك نظام هجومي صاروخي وطيران مسير، ولكنها كما يبدو لم تثبت انها تمتلك نظام دفاعي متقدم كالذي تملكه اسرائيل ودول الغرب.. وهذا ما نراه من نتائج الغارات الاسرائيلية والاميركية على سوريا وحلفاء ايران على الاراضي السورية..حيث لا دفاعات فاعلة ومفيدة لحماية الشخصيات الايرانية كما الميليشيات المؤيدة..
تبين ان العقيدة العسكرية الايرانية تقوم على استخدام غزارة اطلاق النار لارباك العدو، وليس على رفع مستوى التقنيات الالكترونية لتحسين دقة التصويب والعمل على شل ونعطيل الاجهزة الدفاعية للقوى المعادية..
الخسائر الاسرائيلية قياساً على عدد المقذوفات الجوية التي اطلقت، لم تكن بالمستوى المطلوب ولم تعط النتيجة المرجوة.. ولا حققت الغاية المنشودة..عسكرياً ومادياً، باستثناء اثارة الضجة الاعلامية.. ورفع معنويات محور ايران ومن يسير في ركابها..
كسرت عملية القصف هذه حاجز او موانع عدم الرد على اسرائيل من قبل ايران او من قبل اية دولة اخرى مستقبلاً.. وهذا انجاز سبق ان حققته المقاومة الفلسطينية وحركة حماس قبل اشهر حين تجاوزت الجدار الفاصل بين غزة والاراضي المحتلة وصولا الى مدينة سديروت وعسقلان.. وغيرها..
اسرائيلياً:
لقد تبين للقاصي والداني، ان اسرائيل غير قادرة على حماية نفسها بقدراتها الذاتية كما كانت تروج في السابق.. فالدور الاميركي والغربي (بريطانيا وفرنسا وغيرهم) كان لهم دور اساسي في افشال واحباط الهجوم الايراني.. وهذا ما سبق ان اكدته معركة طوفان الاقصى..حين تجاوزت المقاومة الفلسطينية حدود فلسطين المحتلة عام 1948..
لقد تحولت اسرائيل من شرطي المنطقة والقوة العسكرية التي لا تقهر.. الى قاعدة عسكرية وكيان بحاجة لرعاية وحماية مستمرة ودائمة مما سوف يشكل عبئاً على دول الغرب وتلك الراعية لاستمرار هذا الكيان..
نجاح الدفاعات الاسرائيلية الى جانب الغربية، في التصدي للمقذوفات الايرانية وتلك التي اطلقتها قوى المحور، جعلت اسرائيل تدخل عالم الدفاع عن الوجود، بعد ان كانت راس حربة في المنطقة، وترسم سياساتها السياسية والعسكرية والامنية على انها دولة قوية قادرة على فرض شروطها واملاءاتها على دول وشعوب المنطقة ودول الجوار..
لكن هذا لا يعني ان اسرائيل لا تملك قدرات هجومية متطورة من مختلف المستويات.. والتحذير الاميركي لاسرائيل بعدم الرد.. كان بهدف عدم توسيع اطار الحرب في المنطقة وليس بسبب عجز اسرائيل عن الرد..
لم تعد اسرائيل قادرة على تقديم نفسها على انها دولة تستطيع ان تؤمن الحماية لمن يتحالف معها، او يتقبل وجودها في المنطقة..
لقد تحول الاقتصاد الاسرائيلي من التنمية والانتاج ورفع مستوى الدخل القومي، الى الانخراط في الانتاج العسكري والاستثمار في التطوير لحماية الوجود والاستقرار..
لقد اصبح الاستقرار الاسرائيلي، موضع شك وتساؤل، والهجرة الى اسرائيل لم تعد موضع ترحيب لدى المجتمع اليهودي المنتشر في العالم.. بل سوف نشهد حالة من الهجرة المضادة، وبالتالي مخططات الاستيطان سوف تتراجع خاصة مع اي شريط حدودي للدول المجاورة..
لقد تبين ان قادة الجيش الاسرائيلي كما افراد هذا الجيش دون المستوى المطلوب لحسم المعارك في مختلف القطاعات وخاصة البرية منها مع ما نراه على جبهة غزة.. ويؤكد هذا التشاور المتواصل بين القيادة العسكرية الاميركية والاسرائيلية والتنسيق الدائم الذي تطلبه الولايات المتحدة من اسرائيل قبل ان تقوم باية خطوة عسكرية..
فلسطينياً:
الساحة الفلسطينية كانت تنتظر انخراطاً ايرانياً اكثر فاعلية، وليس هجوماً محدوداً لتثبيت وترسيخ وحدة الساحات وهو الشعار الذي اطلقته ايران وفصائل محورها وادوات حرسها الثوري..وهذا ما لم يتم..
خيبة الامل الفلسطينية كانت كبيرة إذ كانت تتمنى ان يكون الدور الايراني مساعداً على تخفيف الضغط العسكري، ودفع الدول العربية المترددة على تغيير موقفها وتطوير ادائها بحيث تعمل على ممارسة ضغط اكثر فاعلية على الولايات المتحدة لوقف العدوان والحرب على الشعب الفلسطيني..
المساندة التي يقدمها حزب الله على جبهة لبنان، وكذلك الدور الذي يقوم به الحوثي عند الممر البحري.. (باب المندب).. ودور الحشد الشعبي العراقي.. بإطلاق بعض المسيرات بين الحين والاخر.. لن يشكل عاملاً حاسماً لتغيير المعادلة والتأثير على القدرات الاسرائيلية لتعديل مخططاتها او وقف عدوانها..
الخاتمة...
مع اعلان ايران عن وقف هجماتها على اسرائيل وتأكيدها ان الرد الصاروخي كان رداً على استهداف قتصليتها حصراً.. يمثل اعلاناً واضحاً وصريحاً بان ايران خارج اطار وحدة الساحات لان الرد الايراني محدداً بالسبب والحجم والدور والهدف...
المنطقة مقبلة على تغيرات ومتغيرات وتبدلات بالغة الاهمية.. مع انكشاف الاحجام والادوار والاهداف والقدرات..وبالتالي على الجميع اعادة النظر باستراتيجيته وتطلعاته وطموحاته..وعلى شعوب المنطقة ان تكون اكثر استعداداً لمواجهة المرحلة المقبلة سواء حرباً او سلماً..