المجتمع

م. محمود بصراوي ـ بوابة صيدا

في عالم تتقاطع فيه التكنولوجيا مع السياسة والاقتصاد، لم تعد الشركات العملاقة مجرد منصات تقنية محايدة، بل أصبحت لاعباً أساسياً في تشكيل الرأي العام وتوجيه السرديات. وتكشف المعلومات المتداولة مؤخراً عن عقد دعائي مثير للجدل أبرمته غوغل مع حكومة الاحتلال الإسرائيلي، لتتحول القضية إلى نموذج حيّ يعكس إشكالية العلاقة بين الربح والمسؤولية الأخلاقية في زمن الحروب.

عقد دعائي بملايين الدولارات

أشارت تقارير إلى أن غوغل وقّعت عقداً دعائياً ضخماً بقيمة 45 مليون دولار مع حكومة الاحتلال. الهدف من الصفقة لم يكن تسويق منتج أو خدمة، بل الترويج لروايات سياسية رسمية تنكر وجود مجاعة في غزة وتهاجم المنظمات الإنسانية. هذا التحول من “منصة رقمية” إلى “فاعل دعائي” يثير تساؤلات خطيرة حول دور شركات التقنية في النزاعات.

تناقض صارخ مع المبادئ المعلنة

طالما قدّمت غوغل نفسها كرمز للشفافية ومكافحة التضليل ودعم حرية التعبير. لكن مشاركتها في حملة دعائية مرتبطة بصراع دموي تكشف عن تناقض واضح بين المبادئ المعلنة والممارسات الفعلية. فبدلاً من أن تكون حارساً للقيم الرقمية، وجدت الشركة نفسها في موقع المتواطئ مع خطاب رسمي يهدف إلى تبرير معاناة إنسانية واسعة.

نتائج عكسية وأزمة صورة

المفارقة أن هذه الصفقة لم تؤدِّ إلى تحسين صورة إسرائيل كما كان مأمولاً، بل زادت من انكشاف مأزقها الأخلاقي والدعائي أمام المجتمع الدولي. وفي المقابل، وجدت غوغل نفسها في مواجهة عاصفة من الانتقادات العالمية، ليس فقط من قبل المدافعين عن حقوق الإنسان، بل أيضاً من مستخدمين فقدوا الثقة في حياديتها المزعومة.

البعد الأخلاقي للشركات الكبرى

القضية تفتح باباً واسعاً للنقاش حول مسؤولية الشركات متعددة الجنسيات. هل يمكن لهذه الشركات أن تختبئ خلف شعار “الحياد التجاري” بينما تتحول أدواتها إلى جزء من آلة دعائية تغطي على معاناة إنسانية موثقة؟ أم أن عليها أن تعترف بواجبها الأخلاقي والاجتماعي، وأن تضع حدوداً واضحة لما يمكن أن يُقدَّم في إطار الربح المالي؟

خاتمة

إن ما حدث بين غوغل وحكومة الاحتلال ليس مجرد صفقة مالية، بل مثال صارخ على تقاطع المصالح التجارية مع النزاعات السياسية والإنسانية. إنها قصة تكشف أن معركة الروايات لا تقل خطورة عن معركة السلاح، وأن الشركات التي تختار الانخراط في هذه اللعبة لن تفلت من المحاسبة الأخلاقية وربما القانونية في المستقبل.