• لبنان
  • الأربعاء, حزيران 04, 2025
  • اخر تحديث الساعة : 10:51:03 م
inner-page-banner
المجتمع

هل تحل «ستارلينك» أزمة الإنترنت في لبنان؟

علي عواد ـ الأخبار

يعاني اللبنانيون منذ سنوات طويلة من بطء الإنترنت وارتفاع كلفته مقارنة بجودته. وتبرز المشكلة بشكل خاص في المناطق النائية، حيث تنتشر أبراج الاتصالات القديمة التي لم تخضع لأي تحديث منذ بدء الأزمة المالية قبل أكثر من 6 سنوات. وقد دفع هذا الواقع كثيرين إلى البحث عن حلول بديلة، في الوقت الذي كان العالم يتعامل مع تقدم خدمة الإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية.

ما جعل أعين اللبنانيين تتجه صوب هذا الخيار، خصوصاً بعد زيارة وفد من خدمة «ستارلينك» التابعة لشركة «سبايس إكس» الأميركية لإجراء مشاورات مع المسؤولين اللبنانيين حول إمكانية إدخال الخدمة إلى لبنان.

تعتمد «ستارلينك» على شبكة ضخمة من الأقمار الاصطناعية الصغيرة التي تدور في مدار منخفض حول الأرض، وتنقل البيانات بين المستخدم ومحطة أرضية عبر الفضاء. وترتكز هذه البنية التقنية على وعد بتقديم سرعة إنترنت عالية وتغطية تصل إلى المناطق البعيدة من مراكز المدن. رغم ذلك، تظهر تجارب المستخدمين اختلافاً بين الدعاية والتجربة العملية.

التغطية والانقطاع المتكرر

يواجه مستخدمو «ستارلينك» حول العالم انقطاعات مفاجئة وضعفاً في الإشارة في مناطق عدة. يتأثر الاتصال بشكل كبير بالعوامل الجوية مثل الأمطار الغزيرة أو الثلوج، رغم وجود سخان في الهوائي للتعامل مع تراكم الثلوج. لكن التجربة دلت أنه في المناطق الجبلية أو بين الأشجار، تتكرر حالات فقدان الإشارة نتيجة العوائق الطبيعية في الأفق. إلى درجة بات عملها يشبه تجربة ألواح الطاقة الشمسية؛ فعناصر الطبيعة تتحكم في جودة الخدمة اليومية.

صعوبة الدعم الفني والسرعات

من جهة ثانية، يواجه المستخدمون أعطالاً تقنية تتطلب أحياناً إعادة تشغيل الصحن اللاقط أو إعادة ضبط الإعدادات، ويصعب عليهم الحصول على مساعدة فورية نتيجة غياب خدمة عملاء فعالة.

حيث لا يوجد رقم هاتف مباشر للدعم، ويعتمد التواصل بالكامل على التطبيق أو الموقع الإلكتروني، ما يجعل الردود متأخرة أو غير كافية في حالات عدة. البحث السريع عبر الإنترنت يكشف عن حجم المشكلة عالمياً.

كذلك تشير الإعلانات الرسمية إلى سرعات تتجاوز 100 ميغابت في الثانية، وقد تصل في بعض الظروف إلى 300 أو 400 ميغابت، إلا أن هذه السرعات لا تستمر طوال اليوم لجميع المشتركين. وتعتمد الشبكة على منظومة من الأقمار الاصطناعية المتحركة التي توفر سعة محدودة لكل منطقة جغرافية.

وعندما يكون عدد المشتركين قليلاً، يحصل كل مستخدم على سرعة مرتفعة واستقرار جيد. أما عند تزايد عدد المشتركين، فتنخفض السرعة تدريجياً في أوقات الذروة، فيلاحظ المستخدمون بطئاً واضحاً في الأداء خلال الفترات التي يرتفع فيها الضغط على الشبكة.

تُعرف هذه الظاهرة علمياً بالازدحام الشبكي (Network Congestion)، وتظهر بوضوح أكبر في أنظمة الإنترنت الفضائي بسبب محدودية سعة كل قمر اصطناعي.

مشكلات العناوين الجغرافية والـIP

يواجه مستخدمو «ستارلينك» تحديات متكررة مرتبطة بالعناوين الرقمية الجغرافية (IP)، فيظهر للمواقع الإلكترونية أن المستخدم في دولة أو مدينة بعيدة من مكانه الحقيقي. ينتج هذا الخلل من مرور البيانات بين المستخدم والأقمار الاصطناعية ومحطات الاستقبال الأرضية في بلدان مختلفة، فتسجّل المواقع عنوان المحطة الأرضية بدلاً من الموقع الفعلي.

كما يواجه المستخدم صعوبات عند محاولة الدخول إلى مواقع وخدمات مصرفية أو حكومية تشترط التواجد داخل الدولة، كما تتغير العروض والأسعار وطرق الشحن في التسوق الإلكتروني حسب الدولة التي يُسجَّل فيها عنوان الـIP.

تظهر إعلانات لا تتصل بمكان الإقامة، وتصبح مشاهدة بعض الفيديوهات على منصات مثل نتفليكس ويوتيوب أكثر تعقيداً نتيجة الحجب الجغرافي. في مجال الأعمال والخدمات المهنية، يزداد الأمر تعقيداً عند تسجيل الدخول إلى الأنظمة التي تعتمد التحقق الجغرافي أو عند التعامل مع تطبيقات الدفع الإلكتروني والخرائط.

ارتفاع الكلفة الأولية والتشغيلية

تكلفة جهاز الاستقبال (الصحن اللاقط والأجهزة المرافقة) تراوح بين 350 و600 دولار، في حين تصل الاشتراكات الشهرية إلى ما بين 80 و120 دولاراً وأحياناً أكثر. تعتبر هذه الكلفة مرتفعة مقارنة بمستوى الدخل اللبناني أو حتى بالمتوسط العالمي، خاصة أن الخدمة لا تمنح ضمانات ثابتة على الجودة أو الاستقرار.

تركيب الجهاز يحتاج أحياناً إلى الصعود للأسطح أو استخدام معدات خاصة، ويجد المستخدم نفسه مضطراً إلى شراء أي ملحق إضافي مثل الكوابل أو الحوامل من متجر «ستارلينك» الحصري، ما يزيد التكاليف ويؤخر عملية التركيب في بعض الحالات.

التحديات التقنية خلف الكواليس

تواجه شركات الإنترنت الفضائي صعوبات ضخمة على مستوى التكاليف، من إطلاق الأقمار الاصطناعية وصيانتها إلى الحصول على تراخيص دولية لاستخدام الترددات، إضافة إلى تداخل الإشارات بين المشغلين.

تحدد الأمم المتحدة عبر الاتحاد الدولي للاتصالات عدد المشغلين الذين يمكنهم استخدام الترددات، خاصة تلك المخصصة لسرعات الإنترنت العالية (Ka-band)، ما يزيد التنافس ويبطئ التوسع. تتأثر الأجهزة الفضائية بتقلبات الحرارة والإشعاعات الشمسية، ما يحد من عمرها التشغيلي ويؤثر على موثوقية الخدمة. تتطلب هذه العوامل استثمارات ضخمة وخبرات عالية للحفاظ على استمرارية الخدمة.

تجارب المستخدمين

تظهر شهادات المستخدمين رضى في بداية الاشتراك مع سرعات مرتفعة تصل أحياناً إلى 300 أو 400 ميغابيت في الثانية. بمرور الوقت تبدأ المشكلات التقنية بالظهور تدريجياً، مثل اختفاء عنوان الـIP أو تراجع جودة الإشارة وفقاً لتقارير نشرتها مواقع متخصصة مثل Android Authority وPCMag، إضافة إلى عدد لا يحصى من الشهادات المنشورة على موقعي Reddit وQuora.

وتظهر البيانات أن كثيرين يشكون من ضعف الأداء عند استخدام ملحقات مثل «الإكستندر» (Wi-Fi Extender)، وهو جهاز يُستخدم لتقوية نطاق شبكة «الواي فاي» وتوسيعه داخل المنزل أو المكتب في المساحات الواسعة أو الطبقات المتعددة. عند الاعتماد على الإكستندر، تنخفض السرعة بشكل كبير، ولا تتجاوز أحياناً 20 ميغابيت في الثانية.

كما تتكرر مشكلات تقطّع الاتصال أو بطء فتح الصفحات، ما يعيق العمل اليومي أو التعلم من بُعد. كذلك تتكرر هذه الشكاوى في المنتديات والمراجعات، ما يشير إلى أن سهولة الاستخدام الأولية لا تضمن استمرارية الأداء الجيد على المدى الطويل.

محدودية الحل لبنانياً

تشكّل خدمة «ستارلينك» نقلة نوعية في المناطق المحرومة من الإنترنت الجيد، خاصة القرى والأطراف، ولكنها لا تقدّم حلاً جذرياً لجميع مشكلات الإنترنت في لبنان. وتظهر الأعطال التقنية بوتيرة ملحوظة، مثل الانقطاعات المفاجئة وتراجع السرعة إلى تعطل الأجهزة والحاجة المتكررة إلى إعادة التشغيل والصيانة.

وتمنع الكلفة العالية كثيرين من الاشتراك، حيث لا يتناسب نظام الأسعار مع دخل معظم الأسر اللبنانية. كما يترك غياب الدعم الفني المحلي المستخدم من دون حلول فورية عند الطوارئ أو الحاجة إلى صيانة.

وتواجه الأقمار الاصطناعية صعوبات متكررة بفعل الطقس وتقلبات المناخ، ويؤثر ازدحام الشبكة على جودة الاتصال واستمراريته. يحتاج المستخدم اللبناني إلى تقييم جميع هذه الجوانب بوعي قبل الاشتراك، مع إدراك أن التجربة قد لا تحقق الوعود الإعلانية بشكل كامل.

تفتح خدمة «ستارلينك» نافذة أمل جديدة أمام مناطق تعاني ضعف الإنترنت الأرضي، وتقدّم إمكانات واعدة للتطور الرقمي. رغم ذلك، تحتاج الخدمة إلى تحسينات كثيرة على المستوى التقني والتشغيلي لتكون خياراً حقيقياً للمستخدم اللبناني في المدى المنظور.

بوابة صيدا

الكاتب

بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..

مدونات ذات صلة