جويل عبدالعال ـ الأخبار
لم تكن المخيمات الفلسطينية في مدينة صور في جنوب لبنان بمنأى عن العدوان الإسرائيلي، إذ تعرضت لقصف مباشر واستهدافات متكررة في قلبها ومحيطها، ما تسبّب في أضرار مادية وبشرية انعكست سلباً على حياة حوالى 56 ألف لاجئ فلسطيني يقيمون في ظلّ واقع إنساني وسياسي واقتصادي وأمني مهترئ وآيل للانفجار، وعجز لبناني عن تقديم الحدّ الأدنى من الخدمات الأساسية والحقوق، وانقسام داخلي مستمر حول التعاطي مع الوجود الفلسطيني. وزاد الطين بلة تراجع دور وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» وانسحابها تدريجياً لتقطع شريان الحياة الذي تمسّك به اللاجئ الفلسطيني على مدار سنوات.
ورغم غياب أي رؤية واضحة لإعادة الإعمار في لبنان عموماً، يشعر سكان المخيمات الفلسطينية في الجنوب أنهم على هامش الهامش: لا خطط تعنيهم، ولا وعود تلامس معاناتهم وتسكّن هواجسهم حول من سيتحمل مسؤولية إعمار المخيمات والتعويض عن الأضرار التي وقعت فيها؟
بعد مسح الأضرار في مخيمات البص والرشيدية وأطراف صور، «تبيّن أنّ مخيم البصّ كان الأكثر تضرراً، إذ رُصد تدمير كلّي لسبعة منازل وثلاثة محال تجارية، إضافة إلى أضرار جزئية في حوالى 140 منزلاً، نسبة الضرر في بعضها تصل إلى 80% وهي غير صالحة للسكن، ما يفاقم الحاجة إلى تدخّل عاجل»، بحسب مسؤولة جمعية النجدة الاجتماعية في صور هلا مرعي. ويشير مسؤول اللجنة الشعبية في مخيم البص علي الجمل إلى استهداف «قلب المخيم مباشرة أثناء قصف منزل مدير ثانوية دير ياسين، ما ألحق أضراراً بعدد من المنازل حوله، كما استُهدف مبنى من طابقين على أطراف المخيم، ما ألحق الضرر بنحو 15 منزلاً، بينها أربعة دُمرت تماماً»، وطالت الأضرار البنية التحتية من كهرباء، وإنترنت، وألواح طاقة شمسية.
جمعية «جهاد البناء» قيّمت الأضرار داخل المخيمات وقدّمت تعويضات لأصحاب المنازل المتضررة، راوحت بين 500 و3000 دولار، بحسب حجم الضرر، لكن المشكلة تبقى في المنازل المدمرة بالكامل وغياب القرار بإعادة الإعمار.
وفيما قرّرت الدولة اللبنانية أن تأخذ على عاتقها إعادة إعمار ما دمّره العدوان، يخشى الفلسطينيون ألا تشملهم العملية، خصوصاً أنّ الدولة اللبنانية تقاعست عن أداء دورها داخل المخيم حتى الآن، «فمجلس الجنوب والجمعيات اللبنانية كشفت على المناطق المحيطة، لكن أحداً لم يدخل إلى المخيم بعد باستثناء بعض الجمعيات المحلية التي قدّمت مساعدات لا تُجاوز الـ100 أو الـ200 دولار للعائلة الواحدة»، بحسب أمين سر اللجنة الشعبية في مخيم البرج الشمالي محمد أبو رشيد.
واتهم الـ«أونروا»، المسؤولة الأولى عن إغاثة المتضررين من الحرب في مجتمع اللاجئين الفلسطينيين، بأنها «كانت أول الهاربين من المسؤولية. إذ سحبت يدها في أشد الأوقات حاجة إليها أثناء العدوان، لا سيما في ما يتعلق بتأمين أدوية الأمراض المزمنة وتلقيح الأطفال».
ومع بداية العدوان على المخيمات الفلسطينية في 23 أيلول 2024، شهدت المنطقة موجة نزوح واسعة رافقها خوف من الإقصاء والعزل الجغرافي.
وتقول مرعي: «كان النزوح مؤلماً نفسياً واقتصادياً، خصوصاً أن معظم العائلات لا تمتلك أي مصادر مادية تمكّنها من استئجار منازل. لذلك، لجأ كثيرون إلى الإيواء الجماعي أو إلى بيوت أقارب مكتظة، ما زاد من الأثر النفسي والاجتماعي على اللاجئين».
ولفتت إلى «تحديات واجهت الجمعيات في إيصال المساعدات إلى داخل المخيمات، لا سيّما في الجنوب، بسبب خوف السائقين من التوجه إلى مناطق خطرة. وحتى التجار داخل المخيمات لم نتمكن من التنسيق معهم لتنفيذ نظام البونات».
في المقابل، أقفلت «أونروا» مدارسها وعياداتها، فتوقّفت كلّ أشكال الدعم الطبي والاجتماعي. «حتى عمال النظافة لم يُسمح لهم بالعمل، إذ كانت الوكالة ملزمة بوقف خدماتها جنوب الليطاني، فتشكلت لجان تطوعية من أبناء المخيم لإدارة شؤون النظافة والدواء، خصوصاً للأمراض المستعصية التي كانت تتطلب أدوية مزمنة من عيادات الأونروا»، كما يقول الجمل، ولم يصل إلى مخيم البص خلال العدوان سوى «كرتونة مواد غذائية وأخرى للتنظيف من الصليب الأحمر الدولي، بالتنسيق مع هيئة الإغاثة في بلدية صور».
وينقل أبو رشيد مشهداً مشابهاً في مخيم البرج الشمالي، وإن كان أقل دموية، إذ لم يُستهدف المخيم مباشرة، لكن «القصف حوله من كل الجهات بثّ حالة من الرعب في قلوب الأطفال والنساء»، لافتاً إلى أنه «رغم حالة الهلع، بقي الكثيرون صامدين لإيمانهم بأنّ خروجهم من المخيم يجب أن يكون باتجاه فلسطين حصرا».
وقد غطّت وزارة الصحة جرحى الحرب الفلسطينيين أسوة بالجرحى اللبنانيين، وظلّت تتابع ملفاتهم بعد وقف الحرب. أما «أونروا» فاستمر «طلاقها» للاجئين اللفلسطينيين، إذ تروي سيدة أن «الجمعية غطّت نفقات المستشفى عندما أصيب ابني بغارة في مخيم البص جعلته مقعداً، ثم أخبرتنا إنها ستعامله مثل أي لاجئ ما يعني دفع 40% من الفحوصات والدواء والعلاج». علماً أن ابنها لا يزال بحاجة إلى جلسات علاج فيزيائي، وقد «تكفّل حزب الله بجزء من العلاج، خصوصاً بما يتعلق بالغيارات الطبية وزرع جهاز طبي مؤقت، واعداً بمتابعة حالته، لكننا ننتظر تأمين الأوراق اللازمة من الجمعية للسماح بتقديم هذا النوع من العلاج في المنزل، أما عمليات الزرع والتأهيل، فمعلّقة إلى أجل غير مسمى بسبب سفر الطبيب المختص وعدم وجود بديل».
وقد رفضت «أونروا» التعليق على استفسارات «الأخبار» للوقوف عند مسؤوليتها عن إغاثة اللاجئين الفلسطينيين المتضررين من الحرب والاستفسار حول تراجع تقديماتها الإنسانية وما إذا كان لها دور في إعادة الإعمار.