محمد دهشة ـ نداء الوطن
لم يكن علي جونة، اللاجئ الفلسطيني من مخيم الرشيدية في جنوب لبنان، يدرك أن رحلة الهجرة إلى دولة غربية بحثاً عن حياة كريمة بعيداً عن الحرمان وأحزمة البؤس والفقر المدقع، ستنتهي به في أحد السجون السورية بتهمة "الإرهاب"، حيث بقي فيه حتى سقوط نظام بشار الأسد (8 كانون الأول 2024).
وقبل الذهاب إلى سوريا، لم يعد الحديث في المخيمات، التي غادر علي أحدها، عن الهجرة سراً، إذ وجد الآلاف من أبنائها فرصة للسعي إليها بطرق شرعية أو غير شرعية. باعوا ما يملكون من متاع، ودفعوا كل ما يملكون، وحزموا حقائبهم. والبعض اختار سوريا كطريق للمرور، فاعتُقل أو قُتل، بينما اختار آخرون طريق روسيا - النرويج. وبعضهم ركب البحر من ميناء طرابلس في لبنان إلى تركيا أو ليبيا، فتاه في الصحراء أو غرق في مأساة إنسانية.
على الرغم من أن علي أمضى شهرين فقط سجيناً في سوريا، إلا أنه عاش خلالهما مختلف صنوف العذاب. وتمنى لو بقي في المخيم يأكل الخبز ويشرب الماء فقط بدلاً من هذه التجربة المريرة. علماً ان الهجرة من مخيمات لبنان تجسّد تطلعات وأحلام كل شاب فلسطيني وجد نفسه عاطلًا عن العمل بسبب الأزمة الاقتصادية والقوانين التي ما زالت تحرم الفلسطيني من أبسط حقوقه المدنية.
يروي علي تفاصيل رحلته إلى سجون نظام الاسد: "كنا 17 شخصاً، 16 سورياً وأنا الفلسطيني الوحيد من لبنان. لم تكن بحوزتي هوية.
فدخلت إلى سوريا من لبنان بطريقة غير نظامية. وتم القبض عليّ ووُجهت إليّ تهمة الإرهاب بزعم أنني قدمت للانضمام إلى المسلحين، أو كنت في طريقي إلى تركيا. فأوضحت لرجال الأمن أنني جئت فقط لأستأجر بيتاً لي ولعائلتي حتى تنتهي الحرب في لبنان وأعود، لكنهم رفضوا تصديقي، واتهموني بالإرهاب".
مكث علي 20 يوماً في خان شيخون وهو قيد التحقيق، ثم نُقل إلى منطقة البولوني في حمص وبقي يومين، قبل أن يُنقل إلى "فرع فلسطين"، أحد فروع المخابرات العسكرية السورية، حيث أمضى 60 يوماً حيث "ذاق فيها مختلف صنوف العذاب" وفق قوله.
يصف علي تجربته في "فرع فلسطين" قائلًا: "العذاب هناك يشبه الموت بكل تفاصيله. وعلى الرغم من أن السجن يحمل اسم فلسطين، فإن الواقع فيه كان لا يمتّ لفلسطين بأي صلة. كان السجانون يمارسون القتل يومياً، وكذلك ضرب النزلاء وممارسة إذلالهم منهجياً. كنا ننام عند الواحدة صباحاً ونستيقظ قسراً في الخامسة فجراً".
ويتذكر علي ليلة الحرية: "هبطت طائرة هليكوبتر فجأة عند منتصف الليل، ثم أقلعت بعد دقائق من دون تفسير. تلا ذلك إطلاق نار كثيف أذهل الجميع. مع الفجر، سمعنا صيحة "الله أكبر"، وفهمنا أن المعارضة اقتحمت الفرع".
وعلى صرخات "لا تخافوا، النظام سقط"، فتحت المعارضة أبواب الزنازين. أبلغونا أنه يمكنكم التوجه إلى تركيا أو لبنان أو أي مكان آخر. ويقول: "خرجنا وكنا حوالى 5 آلاف شخص، ومعنا 100 امرأة و24 طفلاً. كانوا يكسرون الأقفال واحداً تلو الآخر بإصرار حتى أُطلق سراحنا جميعاً. عندما خرجنا شعرنا للمرة الأولى بالحرية".
بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..