أمل سيف الدين ـ الديار
عندما تتعرض البراءة للخطر، وتسلب الطفولة البريئة من حقها في الأمان والحماية، تتعرض قلوبنا لاختبار قاسٍ من نوعه. إنها قصة لا تحتمل الوقوع في النسيان، قصة طفل يُزهق حلمه وبراءته في دقائق مؤلمة تركت جرحاً عميقاً في نفوسنا، جرح لا يندمل إلا بالعدالة والتضامن.
ففي مجتمعٍ ينبغي أن يكون بئراً للأمان والحماية لأبريائه، تبرز قضية اغتصاب الأطفال كشوكة في الحلق، تنذر بخطرٍ يجب أن نواجهه بكل قوتنا وإصرارنا. فتلك ليست مجرد أرقام وإحصائيات، بل هي حكايات حقيقية تصيب القلب بالألم، وتدفعنا الى التحرك والتصدي لهذا الوباء الذي يهدد أبرياء مجتمعنا.
من بين الكثير من القصص، تبرز قصة صغيرٍ يُدعى محمد يزبك، طفل بريء لم يكن يعرف سوى لغة الضحك ولغة اللعب، إلى أن جاءت يد الظلم والاعتداء لتقتحم عالمه البريء، تاركةً وراءها أثرا مؤلما لا يمحى.
تلك اللحظات القليلة التي كانت كفيلة بتحطيم حلم طفل بريء، وتحولت إلى كابوس يطارده في كل لحظة، كانت كفيلة بأن تُلقي بظلال الظلم والخوف على قلوب أهله وأحبائه، فقد فقدوا الطفولة البريئة التي كانت تزهر في وجه محمد، واستبدلوها بمشهد يحاكي الألم والخوف.
بدابة القصة
في بعلبك، تتوالى الأيام بسكينة وسلام. وفي منزل عائلة يزبك، تتجلى حكاية لم تكن في الحسبان. كانت بداية هذه القصة المريرة عندما وصل شاب سوري يُدعى أنسى محمد زيتون إلى منطقة نحلة البقاعية، هاربا من ظلم الحروب التي غزت بلاده.
وعندما وصل إلى نحلة، بدأ أنس في التودد من أهل المنطقة، يظهر معهم ليس فقط أنه شاب هارب من الحرب، بل أيضا شاب مثقف ومتعلم. وبفضل لطف الأهالي، وجد أنس سكنا في منزل أخيه، الذي كان قد استأجر منزلاً لدى السيد ماجد عبدالله يزبك.
ماذا قال والد الطفل لـ "الديار"؟
في مقابلة خاصة لـ "الديار" شرح والد الطفل تفاصيل القصة، فقد بدأت عندما قرر والد الطفل محمد يزبك توظيف أنس للعمل في حديقة مدير فرقة الدبكة البعلبكية السيد خالد النابوش. وكان لديه مسكن خاص في تلك الحديقة، وكان يتناول المشروبات الروحية بشكل مفرط، ما دفعه إلى درجة السكر.
علماً أن منزل الطفل كان ملاصقًا لمنزل خالد النابوش، وبعدما كان منزل خالد فارغا نتيجة لغيابه خارج البلد، استغل الوحش هذه الفرصة الملائمة واستدرج الطفل إلى غرفة سفلية، حيث قام بارتكاب جريمته البشعة بالطفل، وهدده بالقتل إذا تكلم على ما جرى له أو حتى لمح لأحد بما حدث.
وأكد الوالد على أنه عندما بدأت الصحافة تتحدث بقوة عن موضوع التحرش والاغتصاب، والمقصود هنا هو قضية اغتصاب الأطفال من قبل "التيك توكرز"، تغير سلوك الطفل تماما، مما دفعه الى ان يخبر أهله بما حدث معه.
ردة فعل الوالد!
في البداية، فكر الوالد في اللجوء إلى العنف، ولكنه تردد عندما تذكر أطفاله ومرضه بالسرطان وعدم قدرته على العمل. فذهب واستشار صديقه بالواقعة، الذي نصحه بالإبلاغ عن المعتدي للسلطات الأمنية. فتوجه الوالد إلى القوى الأمنية في بعلبك، وتجاوبوا معه بشكل سريع وتوجهوا إلى منزل أنس حيث ألقوا القبض عليه. وبعد القبض عليه، اعترف أنس بكل ما نُسب إليه، ورجحت معلومات أن أنس يعمل مع مجموعة من الأشخاص.
وأشار الوالد إلى أن وضع ابنه النفسي جيد ويحاولون أن ينسوا ما جرى معه، خاصة بعد محاولة الطفل الانتحار.
من هنا يتضح أن القصة تحمل في طياتها معاناة كبيرة وصراعات نفسية تتطلب التدخل الفوري للعدالة والرعاية النفسية.
الجريمة الصحفية: كيف تدمر الشائعات حياة الأبرياء؟
في عالم الصحافة المعاصر، تبرز مشكلة خطرة تهدد مصلحة المواطنين وتؤثر في سمعة الأبرياء. فإن السبق الصحفي الذي يتسابق الصحافيون لتحقيقه، قد يتسبب بترويج الشائعات وانتشار الأخبار غير المؤكدة، مما يترك آثارا وخيمة على حياة الأفراد.
على مرأى من هذا، يظهر لنا كيف أن تلك السباقات الصحفية قد تلقي بظلالها المظلمة على الأبرياء، حيث يصبحون ضحايا لتلك الشائعات الكاذبة. فعلى سبيل المثال، عندما تنتشر معلومات غير صحيحة تتهم شخصا بارتكاب جريمة بشعة مثل الاعتداء الجنسي، دون التحقق من صحتها، فإن ذلك يسفر عن تدمير حياته وحياة عائلته.
ومن الأمثلة الواضحة على هذا، هي تسارع الصحافيين ومواقع التواصل الاجتماعي لنشر أخبار عن المعتدي، الذي زعموا أنه يعمل في فرقة دبكة خالد النابوش دون التحقق من صحة هذه المعلومات. فعلى الرغم من عدم صحة هذه الادعاءات، فإنها أسهمت في إثارة الهلع والفوضى بين الناس وتعزيز الظنون السلبية تجاه الأبرياء.
وهكذا، يبدو أن السبق الصحفي الذي يسعى إليه الصحافيون يمثل تهديدا حقيقيا لمصلحة المواطنين، حيث يُفضي إلى انتهاك حقوق الأشخاص وتدمير سمعتهم دون قيد أو حصر.
صرخة مختار بلدة نحلة بعد الجريمة!
وفي مكالمة هاتفية مع مختار بلدة نحلة علي حويشان يزبك، أكد على أهمية تفعيل دور القوى الأمنية لمتابعة وتحقيق العدالة في قضية الاعتداء الجنسي التي هزت المنطقة. وأشار إلى ضرورة تشديد الرقابة على اللاجئين السوريين وضبط أوراقهم الثبوتية، مطالبا الدولة اللبنانية بتعزيز إجراءات المراقبة المستمرة لهم، بهدف منع وحماية المجتمع من حوادث الاعتداءات المشابهة في المستقبل.
وفي سياق متصل، دعا المختار إلى تحمل الإعلام المسؤولية الاجتماعية، حيث ينبغي على وسائل الإعلام في لبنان تكثيف جهودها في التوعية والتثقيف للأطفال وأولياء الأمور، بهدف تعزيز الوعي حول خطورة هذه الظواهر السلبية وتعزيز الوقاية منها.
في لحظة الختام، يظل صوت الطفل محمد يتردد في أذهاننا، صوت ينادي بالعدالة والحماية، صوت يجسد البراءة المفقودة والآمال المحطمة. فإن قصة محمد تجسد مأساة العديد من الأطفال الذين يتعرضون للظلم والاعتداءات، وتجسد أيضا الصمود والشجاعة في مواجهة الظروف القاسية.
في ظل هذه القضية المؤلمة، نتساءل: هل نحن على استعداد للوقوف بجانب الضحية ومطالبتها بحقوقها؟ هل نستطيع أن نكون صوتا ينادي بالعدالة والتغيير؟ تذكرنا قصة محمد بضرورة العمل المشترك، وبأننا بمواجهة مثل هذه الظروف يجب أن نكون أقوياء ومتحدين.
فلنتحد معا بقلوب تنبض بالإنسانية والرحمة، لنضمن ألا يمر أي طفل بتجربة مماثلة، ولنبن مجتمعا يتسم بالأمان والحماية لكل فرد فيه، خاصة الأطفال الأبرياء الذين يمثلون مستقبلنا الواعد.