(علي حيدر ـ الأخبار)
في موازاة المعركة الميدانية، يتبادل حزب الله وكيان العدو رسائل سياسية يهدف كل منهما منها إلى التأثير في حسابات الطرف الآخر وتقديراته وقراراته. وبعد أكثر من سبعة أشهر من القتال، باتت مفاعيل دور الحزب في المعركة واضحة جداً، مع إقرار قادة العدو علناً بفشل محاولاتهم لردعه أو تقييد حركته لتخفيف الضغط العسكري، ومع تحوّل جبهة لبنان إلى عامل مؤثر في تقديرات المؤسستين العسكرية والسياسية ومواقفهما، وصولاً إلى المسؤولين الأميركيين الذين يكررون أمام نظرائهم الإسرائيليين بأن تهدئة جبهة لبنان مشروطة بوقف الحرب في غزة، وبأن استمرار هذه الحرب يفاقم مخاطر الشمال.
للوصول إلى الوضع الحالي، اتّبع حزب الله خلال أكثر من سبعة أشهر من القتال تدرّجاً مدروساً في ثلاثة عناوين: توسيع النطاق الجغرافي، ارتقاء الأهداف، وتطور الوسائل القتالية.
وكشف هذا التدرّج عن امتلاك الحزب خيارات واسعة في كل من العناوين الثلاثة، وعن ملاءمة هذه الاستراتيجية لمجريات الحرب ومخاطرها وقيودها. وظهرت أهميته بوضوح مع بلوغ التطورات السياسية والميدانية مفترقاً حاسماً، بين التورط في حرب استنزاف مفتوحة كما تشي السقوف التي يتمسك بها نتنياهو، والتعامل الواقعي مع نتائج الحرب، وهو خلاصة الانقسام الذي برز بين المؤسستين الأمنية والسياسية.
في هذه المحطة بالذات، تتكشّف أهمية أن يدرك العدو بأن حزب الله، بعد أكثر من سبعة أشهر من القتال، لا يزال يحتفظ بأوراق وخيارات وأدوات أشد خطورة، وسيكون لها حضورها المؤثّر على طاولة القرار لجهة تقليص الأمد الزمني للمعركة قدر الإمكان، وصولاً إلى تبلور مخرج سياسي أكثر واقعية توافق عليه المقاومة في غزة.
على مستوى النطاق الجغرافي، لا تزال أمام الحزب مساحة مناورة واسعة جداً، والمفهوم نفسه ينسحب أيضاً على الأهداف المتنوعة استيطانياً وعسكرياً وتقنياً. ومما لا شك فيه أن ما في حوزة حزب الله من أدوات ووسائل لم يكشف عنها أهم وأكثر بكثير مما كُشف عنه.
لذلك فإن عوامل الضغط على مؤسسة القرار في تل أبيب لا تقتصر فقط على المسار التراكمي للعمليات التي تتصاعد سريعاً كمّاً ونوعاً، بل أيضاً في ما تملكه الجهات المختصة الإسرائيلية، السياسية والاستخبارية والعملياتية، من مؤشرات إزاء الخطوات اللاحقة. وبتعبير اجمالي، فإن ما تبقّى من أوراق وعناصر قوة لدى حزب الله يبدو حتى الآن أشد كبحاً لدوافع العدو وتهوّره.
يدرك العدو بأن حزب الله لا يزال بعد أكثر من سبعة أشهر من القتال يحتفظ بأوراق وخيارات وأدوات أشد خطورة
من أجل تعزيز الضغوط على مؤسسات القرار في تل أبيب، تنوّعت رسائل حزب الله إزاء مستقبل المواجهة، من ضمنها ما أعلنه رئيس المجلس التنفيذي السيد هاشم صفي الدين، نهاية الأسبوع الماضي، بأنه «إذا أراد العدو الاستمرار في المعركة، فنحن جاهزون لاستخدام أسلحة جديدة قد نجرّبها في ميدان المواجهة».
ومن أبرز رسائل هذا الموقف، مضموناً وتوقيتاً، أن حزب الله يوضح بشكل صريح لقيادة العدو، في محطة مفصلية، بأن عليها أن تأخذ في الحسبان بأن تبنّي خيار الاستنزاف ستترتب عليه أثمان كبيرة جداً على جبهة الشمال أيضاً، وأن هذا المسار مفتوح على سقوف أبعد مدى مما تقدِّره.
ومن المؤكد أن هذا الاتجاه التصاعدي سيكون حاضراً في مبنى الكرياه (وزارة الأمن وقيادة الجيش) وفي شارع بلفور في القدس (المقر الرسمي لرئيس وزراء العدو) وصولاً إلى واشنطن التي ترى في ذلك بداية تحقّق للمخاطر التي حذّرت تل أبيب منها.
في المقابل، لم تنجح رسائل قادة العدو في ثني حزب الله عن خياراته العملياتية التصاعدية، وآخرها ما صدر على لسان رئيس حزب «الصهيونية الدينية» وزير المالية بتسلئيل سموتريتش الذي دعا إلى شن هجوم بري على جنوب لبنان في حال لم يوقف حزب الله نيرانه الصاروخية وينقل قواته إلى ما وراء نهر الليطاني، إذ لم تترك دعوة سموتريتش بصمة جدية على الجو السياسي والإعلامي في إسرائيل رغم أنه يُمثّل التيار الذي يتحكّم إلى حد كبير بالحكومة.
ويعود ذلك بشكل رئيسي إلى أن مواجهة حزب الله ترتبط بموازين القوى أكثر منها بالبعد الأيديولوجي الأكثر حضوراً لدى سموتريتش وأمثاله. ولذلك، أعقبت دعوته إلى إقامة حزام أمني في جنوب لبنان، تعليقات سياسية وإعلامية من قبيل أن لدى حزب الله «صواريخ تصل إلى كل المدن الإسرائيلية»، وأن إسرائيل «لن تتمكن من حماية تل أبيب باحتلال النبطية» كما لفت المعلق العسكري في القناة 13 ألون بن ديفيد.
مع ذلك، لم يأتِ هذا الاهتمام من قبل سموتريتش بجبهة لبنان صدفة، وإنما بعدما تكرّست كعامل ضغط لا يمكن تجاهله في سياق السجالات التي تشهدها الساحة الإسرائيلية إزاء مستقبل الحرب على غزة، وبعدما فرضت نفسها في وعي قادة العدو، كجزء لا يتجزّأ من المعركة التي تجري على أرض فلسطين.
في هذه الأجواء، ونتيجة خطورة تداعيات أي حرب مع حزب الله، تحوَّل هذا السيناريو إلى موضوع دراسة واهتمام الجنرالات ومعاهد الأبحاث والمختصين، إضافة إلى المؤسسة العسكرية، حول الشروط والبدائل.
ومن أبرز هؤلاء رئيس مجلس الأمن القومي السابق اللواء يعقوب عميدرور الذي لفت إلى مجموعة عناصر، على مؤسسة القرار أخذها في الاعتبار لدى دراسة خيار الحرب، كتسليح الجيش والاقتصاد والشرعية الدولية والشرعية الداخلية، إضافة إلى تعب الجيش وجهوزية الجبهة الداخلية، موضحاً أن الولايات المتحدة لا تريد حرباً مع حزب الله بمبادرة إسرائيلية، وبشكل آكد في سنة انتخابية.
ومن الواضح أن لكل من هذه العناوين تفاصيل تحمل في طياتها نقاط قوة وضعف بالقياس إلى ما يتمتع به حزب الله من مزايا مقابلها، وتؤكد أن أي خيار ينطوي على تعقيدات يتداخل فيها الخارج مع الداخل والحسابات السياسية مع القيود العسكرية، سيؤثّر في مجمله على أي قرار في هذا الاتجاه.