ركزت الصحف الإسرائيلية -الصادرة أمس الثلاثاء- على قضيتين تشغلان المجتمع الإسرائيلي، وهما صفقة تبادل الأسرى في ضوء المقترح المصري الذي قُدم لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) وعلاقة ذلك باجتياح رفح، وتأثيراته المحتملة على الحكومة الإسرائيلية، بالإضافة إلى التخوف من صدور أوامر اعتقال ضد مسؤولين إسرائيليين على رأسهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من قبل المحكمة الجنائية الدولية.
ولم تغب أيضا قضية تصاعد الاحتجاجات في الجامعات الأميركية ضد الحرب على غزة، والتي بدأت بالانتقال إلى أوروبا.
فقد هاجمت افتتاحية "هآرتس" تحت عنوان "صفقة الآن وفورا" وزير الأمن إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش اللذين يعارضان صفقة تبادل الأسرى ويهددان بالانسحاب من الحكومة إن تمت.
وقالت الصحيفة الإسرائيلية إن "هذا هو سلم القيم المشوه لليمين المتطرف، فهو يفضل حربا أبدية وفرصة للاستيطان في غزة على حياة المخطوفين. كما أنه يعرف جيدا مواضع ضعف نتنياهو كونه زعيما بلا عمود فقري، والأمر الوحيد الذي يقف أمام ناظريه هو بقاؤه السياسي، وعليه فرجال اليمين يهددون بشيء يخيف نتنياهو أكثر من أي شيء آخر: الانسحاب من الحكومة".
وطالبت "هآرتس" رئيس "معسكر الدولة" بيني غانتس ورئيس الأركان السابق غادي آيزنكوت -اللذين يؤيدان التوصل للصفقة وتأجيل اجتياح رفح- بممارسة ضغط مضاد على نتنياهو.
وذكّرت الصحيفة غانتس بتصريحاته التي قال فيها "إذا ما تحقق مقترح مسؤول لإعادة المخطوفين ووافق عليه جهاز الأمن ولا ينطوي على إنهاء الحرب، وتم منعه من الحكومة فلن يكون لها الحق في مواصلة الوجود وقيادة المعركة".
وأضافت أن "غانتس وآيزنكوت ملزمان بالتهديد بالانسحاب. مع أن الحكومة يمكنها أن تواصل العمل حتى بدونهما، فستكون هذه إشارة للجمهور بأن نتنياهو ورفاقه قرروا ترك المخطوفين لمصيرهم نهائيا. كما أن هذا هو السبب الذي يجعل عائلات المخطوفين توجه الضغط الآن على غانتس وتتظاهر أمام بيته".
أما الكاتب السياسي المعروف بن كسبيت فكتب في صحيفة "معاريف" تحت عنوان "تعيش إسرائيل دراما مزدوجة" بين صفقة مخطوفين تهز الحكومة وأوامر اعتقال تهز إسرائيل.
وناقش بن كسبيت المعضلة التي يعيشها نتنياهو بالقول "دراما مزدوجة: واحدة إسرائيلية، وهي تدور بين مجلس الحرب والمجلس الموسع، وفي المستوى الشخصي بين نتنياهو وسجانيه سموتريتش وبن غفير، والثانية دولية وترتبط بالمعلومة الحساسة التي وصلت لإسرائيل الأيام الأخيرة، وبموجبها ينظر المدعي العام في الجنائية الدولية في لاهاي بجدية في أوامر اعتقال ضد رئيس الوزراء ووزير الدفاع ورئيس الأركان وشخصيات أخرى في القيادة الإسرائيلية.
وتطرق الكاتب بعد ذلك إلى الحالة النفسية الصعبة التي يمر بها نتنياهو بالقول "هذا الحدث هز عالم نتنياهو، الذي يصفه أناس يعملون معه بأنه مفزوع". وأشار الكاتب إلى أن نتنياهو يمارس كل ما في وسعه لحثّ مسؤولين دوليين للضغط على المدعي العام للجنائية الدولية كريم خان.
وأضاف الكاتب أن الرئيس الإسرائيلي اسحاق هرتسوغ هو الآخر يدير اتصالات من جانبه في محاولة لوقف كرة الثلج قبل أن تبدأ بالتدحرج في المنحدر، إذ طُرح الموضوع أيضا في مكالمة هاتفية بين نتنياهو والرئيس الأميركي جو بايدن نهاية الأسبوع. وفي أعقاب المكالمة نشر مجلس الأمن القومي الأميركي بيانا بأنه ليس للمحكمة الجنائية أي صلاحيات للبحث في موضوع غزة، لكن نفوذ أميركا وإسرائيل على المحكمة ليس كبيرا لأنهما ليستا أعضاء بها.
ووصف هذه الأوامر المرتقبة بأنها "أمسكت بإسرائيل في مفاجأة إستراتيجية" مشيرا إلى أن كريم خان لا يُعتبر معاديا لإسرائيل، بل وربما العكس. فقد وصل إلى إسرائيل بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول بدعوة من لجنة عائلات المحتجزين، وتجول في الغلاف المدمر، والتقى ناجين ومحتجزين محررين "وتأثر عميقا".
وأضاف بن كسبيت أن إسرائيل تحاول الآن وقف هذا الانجراف "فإذا ما صدرت أوامر الاعتقال سيلحق الأمر بإسرائيل ضررا إستراتيجيا غير مسبوق وجسيم على نحو خاص". وهذه خطوة ستكون الأولى من نوعها، ويمكنها أن تؤدي لردود فعل متسلسلة ومنحدر سلس ستجد إسرائيل نفسها نهايته في مكانة دولة منتهكة للقانون او منبوذة "وهذا بالفعل سيكون انتصارا مطلقا، لكن ليس لنا، بل لأعدائنا".
وفي هذا السياق أيضا، كتب المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس" عاموس هريئيل عن الظروف التي استجدت وتعزز التوجه نحو صفقة تبادل، ولكنه شكك في قدرة نتنياهو على المضي في الصفقة بسبب تمسكه بشركائه اليمينيين، حيث قال "منذ فترة طويلة كان التهديد باحتلال رفح كلاما فارغا. والاستعدادات العسكرية تقدمت ببطء ونتنياهو لم يحث الجيش على العمل، والتصريحات حول عملية قريبة في رفح صدقتها فقط حفنة من أتباعه المهووسين الذين صدقوا أيضا وعد النصر المطلق".
وفي الأسابيع الأخيرة تغير شيء ما -كما يقول المحلل العسكري- فالعمليات العسكرية أصبحت ملموسة أكثر، وحماس أيضا بدأت في الشعور بخطر معين. ربما أن هذه هي خلفية الإشارات عن المرونة من قبل (حماس) حتى لو كانت ما تزال ضئيلة جدا. ومع ذلك، هناك تحفظات أميركية على احتلال رفح، ومثلها أيضا طلبات واشنطن من إسرائيل لضمان إجلاء الفلسطينيين بسلام من المدينة كشرط لبدء العملية العسكرية.
وأورد المحلل العسكري استدلالات على عدم تحمس جيش إسرائيل لاجتياح رفح قائلا "يكفي الاستماع لأقوال الجنرال احتياط إسرائيل زيف، المحلل المطلع على مواقف هيئة الأركان في القناة 12 بأن أي صفقة تبادل تسبق العملية أهم من العملية في رفح، التي من الأفضل ألا تحدث أبدا. رفح غير مهمة بشكل خاص من أجل تدمير حماس، والشرك الإستراتيجي الذي ينتظرنا هناك يمكن أن يؤدي لنتائج صعبة. ونتنياهو يتفاخر بالتوجيه، لكنه لا يرى الحفرة التي قد يقع فيها هو وإسرائيل".
وتطرق المحلل السياسي لتفاصيل تتعلق بالمقترح المصري الذي يجري التفاوض عليه الآن، قائلا إنه وحتى الآن فإن الصعوبة الأساسية في المفاوضات تكمن في مطالبة حماس بأن تشمل الصفقة الوقف الكامل لإطلاق النار وإنهاء الحرب، وهو الطلب الذي وجد نتنياهو صعوبة في استيعابه.
وفي صحيفة "إسرائيل اليوم" كتب يوآف ليمور عن العملية العسكرية في رفح، وقال إن نتنياهو يحاول المناورة، ويتجه، في حال تأخرت صفقة المخطوفين، نحو حملة محدودة في رفح بحيث يحافظ على مصداقيته وسط الجمهور الإسرائيلي بشأن تعهده للعملية في هذه المدينة، ولكنه في المقابل سيمتنع عن المواجهة المباشرة مع الأسرة الدولية التي تعارض بشدة هذه العملية.
وأشار الكاتب في نفس الوقت للأزمة التي يواجهها نتنياهو في حال نجاح الصفقة، وفي ضوء المسعى الأميركي لإنهاء الحرب، والمضي في عملية التطبيع في المنطقة، حيث قال "كجزء من صفقة كهذه ستكون إسرائيل مطالبة بأن تبحث في مستقبل قطاع غزة وفي الجهات التي ستحكمه نهاية الأمر. وهنا أيضا سيتمزق نتنياهو بين الصقور في حكومته الذين يرفضون في هذه اللحظة كل اقتراح وكل فكرة لا تتضمن سيطرة إسرائيلية في المنطقة، وبين أغلبية القيادة السياسية الأمنية التي تسعى لنقل المسؤولية لجهة أخرى.
أما فيما يتعلق بالمخاوف الإسرائيلية من موضوع المحكمة الجنائية، فقد أوردت صحيفة معاريف في خبرها الرئيسي التالي "انتقدت جهات رفيعة المستوى في إسرائيل التغريدة التي انتقد فيها نتنياهو المحكمة الدولية. وقالت إن مجرد إصدار نتنياهو هذه التغريدة أمر خاطئ، وبالتأكيد في هذه الفترة والوضع اللذين توجد فيهما إسرائيل. كل قول من شأنه أن يعقد الوضع المعقد أصلا، ولا مجال لإطلاق رسالة للمحكمة من شأنها أن تفسر كتهديد".
وكان نتنياهو كتب يوم الجمعة "تحت قيادتي لن تقبل إسرائيل أبدا أي محاولة من المحكمة الجنائية للتشكيك في حقها الأساس بالدفاع عن نفسها. التهديد ضد جنود الجيش والشخصيات العامة في إسرائيل، الديمقراطية الوحيدة بالشرق الأوسط والدولة اليهودية الوحيدة في العالم، فضائحي. لن نستسلم له".
(المصدر : الصحافة الإسرائيلية + الجزيرة)